لم تعد مسألة حصار مدينة حلب مجرد تكهنات أو توقعات، وليست مجرد نداءات ومطالبات للقوى العسكرية الفاعلة على الأرض بأخذ الحيطة والحذر، بل باتت أمراً واقعاً وحقيقياً، فالمدينة التي ما زالت إلى الآن تسطر أروع ملاحم الصمود والتحدي قد تمكنت قوات النظام وبضغط جوي مكثف جداً من قطع شريانها الأساسي الذي يعتمد عليه المدنيون في حياتهم والمنفذ الوحيد لهم، فعبره تدخل المواد الغذائية والطبية والمحروقات، وهو نواة القوة العسكرية التي يتخذها الثوار لهم، فطريق الكاستيلو طريق الإمداد الوحيد المتبقي سواء للثوار أو المدنيين على حد سواء، هذا الطريق بات تحت مرمى نيران قوات النظام من قذائف وصواريخ، والعبور منه أصبح أمرأً مستحيلا، حيث لم تخلو أي سيارة حاولت العبور منه من قذائف النظام الصاروخية.
فهل سيبقى الطريق مغلقا أمام المدنيين، وسيصبح أهالي مدينة حلب المحررة ضمن نطاق ضيق جداً يحيط بهم؟ وهل ستبقى غارات النظام وروسيا مستمرة باستهداف المدنيين والأحياء الآهلة بالسكان والمراكز الحيوية؟ أم أنَّ للثوار رأي آخر في هذه المسألة خاصة أنَّ المعارك لا تزال على أشدها ما بين الطرفين؟ وفي المقابل ماذا لو بقي الحصار قائماً في المدنية؟ ما هي التداعيات الناتجة عنه؟ وماذا سيحصل للمدنيين المحاصرين في المدينة؟ هل سيتمكنون من الصمود بحيث تكون المدن المحاصرة كالغوطة وحي الوعر وداريا وغيرها عبرة لهم وخير مثال للثبات؟ ضف إلى كل ذلك ما هي أهم الإجراءات والخطط التي سيتخذها المجلس المحلي لمدينة حلب الحرة في ظل هذه الأزمة خاصة إذا طال الحصار؟
بناءً على كل المعطيات والأسئلة السابقة المطروحة، أجرينا مقابلة مع الأستاذ رياض شاذلي مدير مكتب منظمات المجتمع المدني، وسألناه عن آلية العمل التي سينتهجونها في ظل الحصار الذي تشهده المدينة، وماهي الخطط والأساليب المطروحة لمواجهته؟
بدأ الأستاذ رياض حديثه قائلاً: “للأسف وبسبب انقطاع طريق الكاستيلو فإنَّ مدينة حلب تعيش وضعا مأساويا بكل معنى الكلمة، فلا يوجد غاز ولا محروقات ولا يوجد مواد غذائية في المدينة، الأسواق شبه خالية وفارغة حتى حركة مرور السيارات قد خفت جداً، وثمة في المدينة تجار حرب ومحتكرون للبضائع حاولوا إخفاء البضائع الموجودة لديهم واحتكارها ومن ثم بيعها للناس بأسعار مرتفعة جداً.”
كما شرح الأستاذ رياض عن الخطط التي يمكن أن يقدمونها للناس كونهم يمثلون منظمات المجتمع المدني ولديهم ارتباطات مع المنظمات الدولية، وموجودون في حلب المحاصرة، يقول: “قمنا بالتواصل مع مجلس المحافظة ومجلس مدينة حلب المحلي ومنظمات المجتمع المدني كافة في مدينة حلب والمنظمات المعنية بالأمور الإغاثية والتي تستطيع إدخال الإغاثة للمدينة، قمنا بالتنسيق معهم لوضع حدود لتجار الحرب الموجودين، وذلك من أجل تأمين أكبر قدر ممكن من المواد الغذائية التي يحتاجها الناس، ومحاولة معرفة المواد والبضائع المخزنة في المستودعات، وما هو الاحتياطي الموجود لنعلم كم نستطيع أن نصمد إذا تم إطباق الحصار على مدنية حلب لفترة أطول، فعملنا وما زلنا نعمل على هذا الموضوع، توجد عدة اجتماعات ستقام كي نتناقش ونضع خطة لهذا الوضع الذي نعيشه، ومن ناحيتي قمت بالتواصل مع عدة أشخاص في حي الوعر المحاصر والغوطة الشرقية، أدرت أخذ معلومات منهم عن الحصار هناك، فهم إلى الآن صامدون، فحي الوعر ثلاث سنوات من الحصار وهم ثابتون وصامدون، كل ذلك بغية تطبيق تلك الآلية في مدينة حلب ما إذا تم الوضع على حاله”
حالة الحصار التي يعيشها الناس قد سببت أزمة كبيرة خاصة في مادة الخبز، حيث يتجمع حوالي 300 شخص أمام الفرن كي يحصلوا على الخبز، وهذا بالتالي يشكل خطراً كبيراً عليهم خاصة إذا بقي الطيران يستهدف التجمعات السكانية، وهنا يجب أن يظهر دور مجلس المدينة في هذه المسألة، وبهذا الشأن فقد بين الأستاذ رياض الدور والحلول المتبعة بهذا الشأن حيث قال: “لقد حاولنا نقل هذه الصورة للمنظمات والفعاليات الموجودة في مدينة حلب، ولذلك سيتم توزيع بطاقات لاستلام مادة الخبز في كل حي عبر مجلس الحي الموجود وذلك بغية الكف من موضوع التجمعات.”
وفي سياق متصل فإنَّ مادة الطين تعتبر مهمة جداً وتأمينها من الضروريات والأولويات لذلك فإنَّ مجلس المدينة ومجلس المحافظة وجميع منظمات المجتمع المدني العاملة في الداخل تحاول تنسيق هذا الأمر وضبطه من خلال البدء باستعمال وترشيد استهلاك المخزون الاحتياطي من الطحين، وتوزيعه على الأفران العاملة في المدينة ضمن خطة طوارئ.
وأشار الأستاذ رياض بقوله: “نحن نستطيع أن نصمد، لكن صراحة ليس لفترة طويلة، فالوضع في حلب يبدأ بالازدياد نحو الأسوأ، والجميع يكثف من عمله بخصوص أمر المواد الغذائية والطحين وتأمين المحروقات سواء للدفاع المدني أو المولدات التي تعمل في مدينة حلب وللمشافي والأهالي، و الآليات العاملة في مجلس المدينة، نعمل لتوحيد وتنسيق الجهود جميعاً. يوجد في مدينة حلب مخزون احتياطي للمدينة، وفي الوقت الحالي نستخدم منه بسبب غلاء الأسعار وعدم وجود مادة المازوت والبنزين، فعلى سبيل المثال سعر ليتر البنزين ألف ليرة وهو غير موجود.”
وأوضح الأستاذ رياض أثناء حديثه بأن غرفة عمليات طوارئ حلب تعمل وما زالت تعمل من أجل المدنيين الموجودين في مدينة حلب، نحن نعلم حلب تعيش وضعا سيئا للغاية، وهناك الكثير من الصعوبات والمعوقات التي تقف في وجه الناس، لذلك نحن نعمل لوضع خطط بالتشارك مع الفصائل العسكرية ومنظمات المجتمع المدني إضافة إلى مجلس المحافظة ومجلس المدينة لحل هذه المشاكل التي تواجههم، في الواقع هو أمر صعب وليس بالسهل لكن نحن نقوم بكل ما يمكننا فعله من تكثيف كافة الجهود للصمود وقت أطول.”
وختم الأستاذ رياض حديثه قائلاً: “أهم كلمة أوجهها لجميع المنظمات والفعاليات العاملة في مدينة حلب أنه من المستحيل أن يعمل كل بمفرده في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة، يجب علينا جميعاً أن نتعاون ونتشارك في فك الحصار وفي تأمين المواد الإغاثية والغذائية والطبية والوقوف بجانب الأهالي، كما أوجه رسالة إلى جميع القاطنين في مدينة حلب بأننا كمنظمات مجتمع مدني وكفعاليات موجودة في حلب لها قوة ووجود لن نتخلى عن المدنيين وعن تقديم ما بوسعنا من كامل الخدمات التي يحتاجونها.”
لقاء وتصوير: عمر عرب