عبد الملك قرة محمد |
لا يمكن لأحد أن ينكر الجهود التي تبذلها تركيا لإيقاف ِهجمة النظام وروسيا على المناطق المحررة، لكن هذه الجهود شبيهة تماماً بجهود المجتمع الدولي التي دوماً ما كانت تصب في (تحديد أدوات قتل الشعب السوري) لكنها يوماً لم توقف هذا القتل.
فحديث أردوغان عن منع الطيران السوري من الطيران بحرية أو منعه من قتل السوريين بالبراميل المتفجرة لن يوقف زحف النظام على الشعب السوري والنقاط التركية، فهناك طائرات حربية وقذائف مدفعية وراجمات صواريخ وغيرها من الأسلحة التي تفتك بالشعب السوري دون توقف.
الدور التركي في العملية العسكرية الأخيرة كان له جانبان: أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فأما الإيجابي فقد تحدثت عنه ويتلخص بدعم الفصائل السورية بأسلحة متطورة حرارية من الممكن أن تشكل في أقصى حالات التفاؤل نوعاً من التوازن في القوة.
واما الدور السلبي فهو الذي أثار جدلاً كبيراً بين السوريين، حيث تجلى في المهلة التي منحها أردوغان للنظام السوري وفي دور النقاط التركية التي على أساس أن عملها هو مراقبة ومنع الأعمال العدائية باتجاه منطقة ما يسمى بخفض التصعيد.
لا أعتقد أن قائداً يمنح لعدوه مهلة شهر كامل خاصة أنه لا يمكن أن يغيب عن الرئيس التركي ومخابراته سرعة الزحف التي يتبعها نظام الأسد في قضم المناطق، وبهذا يمكن أن تتحول المهلة من عملية انحساب إلى سباق مع الزمن لفرض سيطرة أكبر وإخضاع تركيا تحت الأمر الواقع، هذه الافتراضات التي من غير المعقول أن تغيب عن أذهان الأتراك جعلت مسألة وجود اتفاق روسي تركي مقبولة عند الكثيرين رغم ما شاهدناه من توتر بين الجانبين خاصة مع تشديدهما على الالتزام بسوتشي.
أما بما يخص النقاط التركية إليكم الفرق بين دورها في الماضي والحاضر.
عندما دخل أول رتل تركي إلى المناطق المحررة استقبله الناس بالتهليل والزغاريد، يومها رأى المدنيون في الأرتال التركية خلاصاً من مستقبل دموي كان يحضر للمنطقة بشكل عام.
في الحقيقة هذه النظرة لم تتغير عند السوريين “البسطاء” مع بدء العملية العسكرية للنظام السوري في ريف حماة بل على العكس راح سكان قرى وبلدات ريف حماة يستفسرون عن مستقبل منطقتهم بطرح الأسئلة على الضباط الأتراك وينصبون مخيماتهم في محيط النقاط التركية ورغم استهدافها أكثر من مرة لم يفضلوا النزوح حتى وصل النظام إليهم وأرغمهم على الابتعاد عن قراهم، والنفس تغص بالسؤال: “أين دور النقاط التركية؟” ومع ذلك لم يتزعزع شعور الطمأنينة لدى السوريين تجاه النقاط التركية بل دخلت عشرات النقاط وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى دعم تركيا للثورة السورية.
أما اليوم فقد شاع بين السوريين قول مضحك مبكٍ سمعته من أحد أصدقائي عندما فكرت بالنزوح من قريتي الأسبوع الماضي حيث قال: “لا تنزح حتى يصل جيش الأسد لقريتك أو يقام فيها نقطة تركية” هذه العبارة بإمكانها أن تشرح مدى تغير النظرة اتجاه النقاط التركية التي تحولت من منبع طمأنينة إلى مقدمة لتسليم المنطقة التي توجد فيها أو وصول النظام السوري إليها.
لا يمكن لأحد أن يلوم السوريين على هذا الشعور الذي أحاط بهم وهم يرون الأرتال التركية تدخل إلى قراهم، في وقت ينزحون فيه من هذه القرى إلى المجهول، هؤلاء السوريون لا تهمهم اتفاقيات ولا تهمهم نقاط، هم فقط يريدون الهرب من مجموعة من الأشباح التي تلاحقهم على رأسها النزوح والفقر وجيش ينبش القبور.
لا أظن أن تركيا ستصمت عن هذا التعدي على هيبتها، لكن المسألة التي تهم السوريين هي عودة مناطقهم ووفاء الرئيس التركي بوعده ووعيده بإرجاع النظام السوري إلى ما وراء نقاط المراقبة، وها قد انقضى النصف الأول من شهر شباط شهر المهلة المحددة، وإن غدًا لناظره قريب.