همّشها البعثُ عقوداً، وهمّشها إعلام الثورة سنيناً، ثكلى وحيدةً تئن على ضفافِ الفرات، لا مُعزٍّ لها سواهُ.
نفطُها وغازها وموقعها الفريد الذي يربطُ دول المنطقة، كانوا وبالاً عليها، فصارت نقطةَ التقاءٍ لكلِّ صراعاتِ المنطقة، والسيطرةُ عليها ستبقى مفتاح الحلّ في سورية.
تحت سكاكين تنظيم الدولة ومقصلة النظام، وتحت كل طائرةٍ أسدية أو روسية أو أمريكية، تحت رحمة التفاهماتِ التي لم تكتمل، والسيناريوهات المفتوحة، وتحت الجوعِ والحصار، وفي مخيمات الموت، وحدها دير الزور تقف شامخةً مضرّجةً بدماء أبنائها، حاملةً على أكتافها عزتها ورجولتها وكرمها وصبرها، حاملةً وجع المعركة وحدها نيابةً عن كلِّ السوريين.
من قبضة النظام إلى نسيم الحرية والثورة، إلى ظلام تنظيم الدولة وظلمة الحصار، لم تركع دير الزور، وبقيتِ الشوكة في حلق من يتربَّص الشرّ بسورية، من الانفصاليين الباحثين عن تهجير أهلها، إلى الطائفيين اللاهثين وراء حلم هلالٍ شيعي يلتفُّ كمنجل الموت حول رقابنا، إلى دولٍ طامعةٍ بنفطها وغازها ومائها.
لا يمرُّ يوم علينا إلا والقصف الهمجي يطال الدير والبو كمال والميادين والمُوحَسَن، عشرات الشهداء ومئات الجرحى يومياً، وآلاف المشردين في البراري الهاربين من جحيم الطائرات، أو عجاج الطائرات كما يسميه أبناؤها نسبةً إلى العواصف الرملية التي تضربها بشكل دائم، والتي يسميها الديريون العجاج.
وما زالت حجة محاربة إرهاب تنظيم الدولة هي الحجة الموحدة المشتركة التي يسوقها كل من يريد بمحافظة دير الزور سوءً، سواء كان النظام أو روسيا أو قسد أو التحالف الدولي، وما زالت شماعة تنظيم الدولة جاهزة لتعليق وتبرير كل هذا العدوان الإجرامي.
بين محاصصات الروس وأمريكا حول الدير، وتسريبات عن اتفاقات على منح النظام وروسيا الضفة الشامية من النهر، وترك ضفة الجزيرة لأمريكا وحلفائها، وبين خروقها للنظام على ضفة الجزيرة، وتجاوزات لحلفاء أمريكا على الضفة الشامية، وتجاذبات أخرى توحي أنَّ الاتفاق الأمريكي الروسي حول دير الزور لم ينجز بعد، ما زالت دير الزور تعيش السيناريو الدموي الأسوأ في تاريخ الثورة السورية، بانتظار اتفاقاتٍ يعقدها الآخرون، ويسطِّرونها بدماء أهل النخوة والكرامة، أبناء دير الزور.