عند قراءة التغطية الإخبارية لسورية على مدى الأسابيع القليلة الماضية، يمكن أن يخطر بالبال أنَّ الحرب في سورية على وشك الانتهاء، فقد أعلنت العديد من القوى العالمية والمحلية الانتصار على الدولة الإسلامية، بمن فيهم جيران العراق.
كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجدداً أنَّ روسيا ستسحب المزيد من قواتها من سورية، ممَّا يعني أنَّ الأمور تتجه إلى نهايتها بسرعة فيما عدا بعض الشكليات السياسية.
وللعلم فقد حققت روسيا نجاحا معتبراً، ففي غضون سنتين من حملتها على سورية دفعت بالمعارضة المسلحة لنظام الأسد للتراجع وبلغت الحملة ذروة نجاحها بإعادة كبرى المدن السورية حلب للقوات الحكومية.
وربَّما الأكثر أهمية هو أن تدخل موسكو غيّر- بلا شك- حسابات القوى الأجنبية التي كانت تدعم الثوار، فقد أفهمتهم أنَّ الإمكانية المتناقصة لانتصار الثوار باتت الآن منعدمة تماماً.
فقد قامت روسيا على نحو ناجح بتجميد لمعظم جبهات الثوار غرباً، ثم دعمت روسيا هجوما واسعا لانتزاع السيطرة من داعش على مساحات واسعة من المناطق وسط وشرق سورية.
ورغم تكبد القوات الروسية خسائر ملحوظة، فقد استمرّت هذه العملية وتقدّمت إلى جانب قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة في الشمال السوري.
ورغم هذه الإنجازات، لا يجب أن ينخدع المراقبون بالمسار الروسي الذي يبدو مفروشا بالورود في سورية، فمن نواحٍ متعددة كانت هذه السنة هي المرحلة الأبسط في صياغة السياسة الروسية من بين الجهات الفاعلة محليا وعالميا في سورية.
فكل اللاعبين تقريبا كانوا متفقين على الهدف الأساسي بتدمير داعش؛ أما وقد انتهت داعش فقد نحّى هذا أصعب القضايا جانباّ، فبانتهاء الخلافة ستظهر التوترات واحتمالات تصعيد العنف ستطفو على السطح.
إنَّ حقيقة النفوذ الروسي في سورية بعيدة جدا عن الصورة التي يطيب للكرملين أن يصوّرها، فاستدعاء بوتين للأسد ليقابله في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري بدلاً زيارة العاصمة، كان مقصوداً بشكل واضح ليُظهر من الذي يحكم حقاً، الشيء نفسه يمكن قوله عن الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع والذي يظهر جنديا روسياً يمنع الأسد بيده من المشي بجوار بوتين.
وتؤمن بعض النظريات بعدم القدرة على السيطرة على سلوك الرئيس السوري، فقد قضى الأسد جلَّ الأزمة تقريبا وهو يختار أقسى الخيارات المتاحة، فقد خرق مراراً وقف إطلاق نار كانت روسيا تدعمه، وشن هجمات دون موافقة روسيا.
وكان هجوم خان شيخون الكيماوي في شهر نيسان هذه السنة مثالا صارخا، ممَّا أحرج الكرملين بشدة، فهو الذي ادَّعى أنَّه توسط بنجاح للتخلص من المخزونات السورية من السلاح الكيميائي قبل عامين.
كما أنَّ روسيا لا تستطيع كبح جماح إيران، التي قال قائدها آية الله علي خامنئي لبوتين في اجتماع سابق أنَّ الصراع في سورية بعيد عن نهايته، ويواصل قادة إيرانيون مع شركائهم من حزب الله توسيع عملياتهم قرب المنطقة التي تسيطر عليها اسرائيل في مرتفعات الجولان، ممَّا يزيد مخاطر نشوب اشتباكات في تلك المنطقة.
إنَّ حليفي روسيا السابقين بعيدان عن السلام المطلوب، فكلاهما يسعيان لمواصلة حملات توسعهما البري.
إضافة إلى أنَّ روسيا لم تقضِ تماما على داعش، فالآلاف من المقاتلين بينهم قادة، انتشروا في الصحراء، وهم يبدون مقاومة دفاعا عن معاقلهم الأخيرة في الريف فهم يستعدون لقتال طويل الأمد.
وبما أنَّ النظام ينقل قواته التي باتت تعاني من نقص شديد في القوى البشرية إلى جبهات أخرى، سيكون من الصعب عليه الحفاظ على مكتسباته في الشرق البعيد حيث معقل داعش منذ زمن بعيد، وقد حدثت أحداث مزعجة من هذا النوع سابقاً: فقد استعادت داعش السيطرة ثانيةً على مدينة تدمر بعد سبعة شهور من حفل موسكو الموسيقي لإعلان الانتصار في المدينة الأثرية في شهر أيار سنة 2016 مما شكّل إحراجا كبيراً لها.
وليس من المستبعد أبدا أن يعيد هذا السيناريو نفسه، وبالتالي سيضطر هذا روسيا إلى إبقاء قوات جوية وبرية لـتأمين المنطقة.
مثّلت استراتيجية زيادة انتشار القوات البرية سمة للاستراتيجية الروسية السنة الماضية، بوجود الآلاف من الجنود القوقازيين بشكل شرطة عسكرية في أنحاء البلاد، ويبدو أنَّ هذا النهج سيتواصل، إذ إنَّ موسكو تجد نفسها بحاجة للمزيد من السيطرة على الأرض.
وبوجود هذا السيناريو ماذا يمكن للغرب أن يفعل؟ برأيي يمكنه أن يتدخل بفعالية قدر المستطاع في المفاوضات على مصير إدلب والغوطة الشرقية، المنطقتان الأكبر مساحة والأكثر كثافة سكانية من مناطق الثوار، حيث يعاني المدنيون مسبقا من التجويع الذي فرضه النظام؛ والعنف الواسع النطاق الذي سيؤدي إلى كوارث إنسانية.
وبعد كل شيء، موسكو لا ترغب حقا بحملة عسكرية ضروس للاستيلاء على إدلب، ويجب على الدبلوماسية الغربية الاستفادة من هذه الثغرة لإجراء مفاوضات متعددة الأطراف وصولا إلى تسوية في المنطقة، ويجب أن تفرض هذه التسوية بالقوة الجوية كي تمنع خرق النظام لها.
يبدو أنَّ هذه اللحظة هي لحظة الذروة لحملة بوتين في سورية، أي لحظة إعلان “نُفِّذت المهمة” على سطح حامة الطائرات (تشبيه بإعلان جورج بوش الابن انتصاره على العراق من على متن حاملة طائرات كُتِب عليها نفّذت المهمة، ثم تلاها غرق القوات الأمريكية في مستنقع العراق) ورغم سرد الكرملين المثير عن الانتصار، إلا أنَّ المشكلات السورية الحقيقية بدأت لتوها.
الكاتب: المحلل السياسي نيل هاور
رابط المقال الأصلي: