لم تكن ذاتُ الرّداءِ الأحمر لتشكّلَ عاملَ جذبٍ بالنّسبةِ إلى طفلٍ في العاشرةِ من عمرهِ كانوا يطلقون عليه لقبَ (النّرجسيّ)، رغمِ غرابة هذا اللّقب إلّا أنّني أشعرُ بالإنصافِ إذا ما دُعيتِ به، أشعرُ بأنّني مازلت على قيدِ الحقيقة طالما لم أنجرف في تيّاراتهم.
نرجسيٌّ أنا.. في كلِّ اِختياراتي ومُقتنياتي، لكن ليس بمدلولهم السّطحيّ، بل على الوجهِ التّكنوقراطيّ تحديداً.
أكرهُ لونهم الأحمر، لون العاطفة الهشّة التي تتملّكهم دون سابقِ إنذار، عند سماعِ خُطبةٍ دينيّةٍ تحريضيّة، أو خِطابٍ قوميٍّ وطنيّ، يجعلهم ينجرفون كالسّيلِ في الوادي السّحيق، أو يتبعون القافلةَ في مسيرتها العمياءِ دون اقتفاءِ الآثار، أكرهُ انبثاقهم من تلك الشّرنقةِ الصمّاءِ عن العقل، اللونُ الأحمرُ الوحيد الذي يجذبني هو لونُ الدّماءِ التي روتْ تلكَ البقاعَ لتُنيرَ عتمةَ العقول، وخضّبتْ ذاك الترابَ علَّ من يمشون عليهِ يستفيقونَ من غفلتهم.
أكرهُ لونهم الرّماديّ، لون أنصافِ الحلول، وأنصافِ المواقف، وأنصافِ الرّجال، مذبذبينَ لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاء، الوقوفُ في المنتصف هو الفنّ الذي لم ولن أتقنهُ يومًا، ولا أتمنّى أبداً ذلك، الاسم العالمي لهذا الفنّ هو النّفاق، ولونه لون الحرباء.
أكرهُ لونهم الأسود، لون الظلامِ اللّعين، لون الكفرِ بالمبادئِ والقيم ونبذِها وراءَ الظّهورِ وفاءً للعرفِ والتّقاليدِ البالية، لون هذا ما وجدنا عليه آباءنا، لون تِيههم في الأرضِ أربعينَ سنةً وكفرانهم بخيرِ النّعم، لون ذاك المخلوقِ البشعِ الذي هبطَ بآدمَ إلى الأرض، لون الغراب الذي اقتفى آثارهُ قابيل، ولباس أولئك الفاجرين الذين يقتلون ثمّ يُشيّعون.
لِعُزلتي عن ألوانهم كان لي وسمُ النّرجسيّة، لم أحاول يوماً التخلّص منها، بل عمدتُ لاقتناءِ لونٍ يُميّزني عن ذاك الغُثاءِ وذاك القطيع، ربّما سأقتني الأخضر، لونُ الرّوحِ الخصبةِ والرّياحين، لون الجنانِ والفيافي والبرِّ الميامين، لون البتلةِ الصّارخةِ من شقوقِ الأرضِ الجدباء، لون حاملي تلك الحواصلِ التي ستحملني يوماً ما.
أو لعلّي أفكّرُ في اِقتناءِ الأبيض، يا للهفةِ الرّوحِ وإرهافِ القلبِ لذاك اليوم الذي سترتديهِ معشوقتي عاشقةُ الياسمين، أو لذاك اليوم الذي سأرتديهِ معلناً خلودي السّرمديّ أبدَ الآبدين..
أمّا عن ذاتِ الرّداء الأحمر، فلم تكن على قَدَرٍ من الكاريزميّة لإقناعي بأنّها الحملُ الوديعُ في هذا الثّقبِ الأسود.