فراس مصري |
تُعدُّ سورية مهد الحضارات المتعاقبة من قديم الزمن، ولا شاهد على ذلك أكثر من كون دمشق وحلب تُعدَّان أقدم مدينتين مأهولتين في التاريخ، ولا ننس أن المدن المنسية المتناثرة في أرياف إدلب وحلب، وكذا القلاع وبصرى وتدمر والمساجد والكنائس..، تشهد جميعها على حقيقة سورية قِبلة البشر.
سورية قبلة السيّاح على مختلف مقاصدهم، لِما تتمتع به من تاريخ ومواقع تراثية ومناخ معتدل وسلاسل جبلية غاية في الروعة وبحر ونهر وصحراء، لا ينقصها تجارة ولا تجار ولا صناعة ولا صناعيون ولا حرف ولا حرفيون، فضلًا عن أن الشعب السوري أكثر من نصفه فتي من فئة الشباب المُدججين بطاقاتهم وعلومهم ومهارتهم بالحرف والصناعة والتجارة.
وأمام هذه الكنوز والمقومات التي يمكن أن تجعل سورية من أغنى دول المنطقة وأكثرها تمدنًا وحضارة وعصرية، نقف تائهين حائرين، فما الذي حصل؟!
كل ما تقدم من حديث مختصر، لو أردنا تفصيله لاحتجنا مئات الصفحات والمقالات والروايات، لكن لماذا لم تكن سورية كذلك؟!
تحتاج الدول التي تمتلك هذه الكنوز العظيمة للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة ما يلي:
– قيم تربوية متينة تدعو إلى الاستقامة ومكارم الأخلاق، وتصمد في وجه الفساد والمغريات، قيم دعت إليها كل شرائع السماء وتجلت تفصيلاً وتشريعًا في ديننا الإسلامي الحنيف لتكون مظلة لكل أعمالنا وحركاتنا وسكناتنا.
– حكم ديمقراطي رشيد تنافسي يرتقي فيه الأكثر كفاءة سياسية وإدارية إلى قيادة أجهزة الدولة.
– تشريعات متطورة تساعد على استثمار كل هذه الكنوز بالطريقة الأمثل والأنجع.
– بُنى تحتية قوية من مطارات وطرق ومواصلات وفنادق ومصارف حرة، وسهولة تحويل الأموال..إلخ؛ لاستقطاب المستثمرين والسياح.
– أمان اجتماعي، واقتصادي، وتشريعي، و قضائي.
في سلسلة (ذاكرة تجربة) التي سأنقل فيها تجربتي العملية في السنوات العشر الأخيرة قبل ثورة 2011 وذلك من خلال عملي في وزارة السياحة وعضويتي في مجلس مدينة حلب لتسع سنوات، سأحاول تسليط الضوء (توصيفًا وتحليلاً) على سورية التي كان يجب أن تكون وسورية التي كانت.
ولتشكيل صورة ذهنية تساعد على بناء تصورات واضحة حول ما سنقدمه في هذه السلسلة، سأحاول وضع سيرة ذاتية عملية لتموضعي من هذه القضايا، تحمل في ثناياها رسائل تتعلق بسلسلة المواضيع القادمة، ألخصها بالآتي:
(فراس مصري) هو مهندس مدني، مُتخرج من جامعة حلب، عملت في الهيئة العامة لتنفيذ المشاريع السياحية، حيث كانت وزارة السياحة تعيش طفرة في الأنظمة والقرارات وتفعيل المجلس الأعلى للسياحة في عهد الوزير الدكتور (سعد الله آغا القلعة) فيما يخص تطوير المشاريع السياحية على نظام الـ BOT.
ثم انتُخبت عام 2003 عضوًا مستقلاً (غير منتمٍ لأي حزب سياسي)، حيث كانت فرصة فريدة (في فترة حاول فيها النظام أن يتعامل فيها مع الاتحاد الأوربي بإيجابية لبناء شراكة معه)؛ لفتح نافذة صغيرة جدًا من غض النظر في وصول البعض لمجلس المدينة دون تدخلات أمنية وقحة ومباشرة، علمًا أننا سنعرج على العملية الانتخابية للإدارة المحلية في هذه السلسلة لاحقًا.
غادرت مدينتي حلب بُعيد رمضان عام 2012 ميلادي إلى توأم حلب مدينة غازي عنتاب التركية، ومازلت فيها أدير منظمة (مدنيون للعدالة والسلام).
أسميت هذه السلسلة (ذاكرة تجربة) وسأحاول من خلالها تسليط الضور توصيفًا وتحليلاً على مرحلة كنت شاهدًا عليها وسأضمنها:
– معلومات عن الإدارة المحلية ومجالس المدن والتركيبة الهيكلية والانتخابات.
– معلومات عن تخصصات مجلس المدينة ومشاريعها والتنظيم العمراني والسكن العشوائي.
– معلومات عن العلاقات الدولية لمجلس المدينة.
– معلومات عن المشاريع الاستثمارية سواء في مجلس المدينة أو وزارة السياحة.
وختام هذه الحلقة أتقدم بالشكر لـ (صحيفة حبر) التي أتاحت المجال لي لتقديم (ذاكرة تجربتي) واجبًا مني بتقديم خبرتي لفائدة شباب المستقبل.