فراس مصري |
في عام 2008 وفي يوم من أيام شهر آذار أو نيسان، اتصل (فريق المعهد العربي لإنماء المدن) برئيس مجلس المدينة، وكنت جالسًا معه، فطلبوا أن نستقبلهم ليل ذلك اليوم على خلاف العادة والبروتوكول، حيث كانت الأصول المتبعة أن يكون جدول هكذا زيارات مُعدًا قبل فترة طويلة، وكعادتنا، نحن الحلبية، قلنا أهلاً وسهلاً ومرحبًا، وأبلغهم الرئيس أن (فراس) سيكون متواصلاً معكم ومتابعًا لحجوزاتكم، وتم الاتفاق على اللقاء مع رئيس المجلس في اليوم التالي في مبنى البلدية.
قمت بالحجوزات اللازمة في فندق (شيراتون)، وبدأت متابعة رحلتهم البرية من بيروت التي كانوا في زيارة لها، حيث وصلوا في الواحدة ليلاً ووجدوني بانتظارهم في بهو الفندق.
واستمرارًا للحديث عن دور مجلس المدينة الريادي والقيادي في المجتمعات، حيث أضحى من المعروف أن المجلس البلدي يمارس ما يُسمى (الحكم المحلي) من جميع جوانبه.
فإن من أهم الشراكات التي نفذها مجلس مدينة حلب هي الشراكة مع (منظمة المدن العربية)، حيث إنه عضو فيها وبمكتبها الدائم، و(منظمة المدن العربية) منظمة دولية منتسبوها هم البلديات العربية صغيرة كانت أم كبيرة، تضم في عضويتها أكثر من 500 بلدية عربية مقرها (الكويت)، ومكتبها الدائم الذي يجتمع سنويًا يضم العاصمة والمدينة الثانية من كل دولة عربية، إضافة إلى المدن المُقدسة (مكة، والمدينة، والقدس).
لمنظمة المدن العربية مؤسسات ستة هي (المعهد العربي لإنماء المدن) وهو المؤسسة الأنشط ومقره مدينة الرياض، و(مؤسسة الصندوق) ومقرها الكويت، و(مؤسسة الجائزة) ومقرها الدوحة، و(مؤسسة المنتدى العربي لنظم المعلومات) ومقره عمان، و(مؤسسة البيئة) ومقرها دبي، و(مركز التراث العربي) ومقره تونس.
وكانت (حلب) في أكثر من مجلس أمناء لهذه المؤسسات، إلا أن العلاقة الأميز كانت مع المعهد العربي لإنماء المدن ومبادرته الشهيرة (مبادرة الأطفال والشباب في مدن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا).
والآن أعود لما بدأته من زيارة (فريق المعهد العربي لإنماء المدن) المفاجئة وغير المجدولة إلى حلب، حيث وصل الوفد في الواحدة ليلاً ليجدني بانتظاره في بهو فندق الشيراتون، صعدنا لتناول العشاء في الطابق الأول، وخلال العشاء أبلغوني بسبب الزيارة المفاجئة وهي أن مؤتمرًا باسم (المؤتمر الخامس للأطفال والشباب في مدن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) كان مقررًا في بيروت وموعده بعد ثلاثة أشهر تقريبًا قد تم الاعتذار عنه من قبل (بلدية بيروت)، وأن حرجًا سيقع إذا تأجل المؤتمر، وأن سبب زيارتهم معرفة إمكانية أن يقام المؤتمر في مدينة حلب بالتاريخ نفسه.
سيكون في المؤتمر ما يقارب 30 متحدثًا من 17 أو 18 دولة مختلفة يجب أن يتم الاهتمام به وتنظيم البرنامج العلمي والتنظيمي، وكذلك تأمين الحضور الشبابي وكل ما هو معروف عن هذه المؤتمرات التي يأخذ تحضيرها عادة من 9 إلى 12 شهرًا قبل الانعقاد.
فكرت بهذا التحدي، وفكرت مقابل ذلك بمصلحة المدينة، ولأني أعرف تمامًا طريقة تفكير رئيس المجلس تجاه هذه القضايا واهتمامه بأن تكون حلب رائدة في كل شيء، أبلغتهم فورًا بأنه يمكننا إعداد مذكرة تفاهم وتوزيع مهام وعرضها على الرئيس صباحًا كي لا نضيع الوقت، وأحسست بأنه قد انتابهم شعورين: الأول السرور للتجاوب، والآخر الاستغراب لجاهزيتي بأن أعمل وقد تجاوزت الساعة الثانية ليلاً على احتمال اتخاذ قرار بإقامة المؤتمر بحلب.
وخلال ساعتين، وبحكم خبرتهم الطويلة وفهمي لواقع مدينتي، تمكنا من إنجاز مسودة مذكرة تفاهم واتفاق لإقامة المؤتمر بحلب، وواجبات وحقوق كل طرف، ثم عدت لبيتي في الرابعة صباحًا على أمل لقاء الغد.
في العاشرة من صباح اليوم التالي توجهت للفندق ورافقت الوفد إلى مبنى مجلس المدينة، والتقينا رئيس المجلس المعهود عنه البروتوكول والإتيكيت العالي ممزوجين بالترحيب والكرم الحلبي، وشرحوا موضوع المؤتمر، وقدمنا له المسودة التي أعدت ليلاً فابتسم والتفت إليَّ قائلاً: هل أعددتم هذه المذكرة ليلاً؟ قلت نعم، فقال: الوقت قصير فلا يمكن إعداد مؤتمر في ثلاثة أشهر إلا إذا قال لي شخصان أننا نتعهد بذلك فراس (من المجلس) وأحمد (من المعهد العربي)، فكان جوابنا إيجابيًا، فأخرج القلم الأخضر وهو رجل سريع القراءة، حيث مرَّ على بنود الاتفاق سريعًا ووقع بالقلم الأخضر على الموافقة.
سنتابع في الجزء القادم كواليس وتفاصيل وتوصيات هذا المؤتمر الذي يشهد عليه الكثير من شابَّاتنا وشبابنا الثوار الذين حضروا كافة فعالياته، بل كان لهم دور أكبر.
حياكم الله