حدث هذا منذ أربعين سنة تقريبًا، لا أدري إذا ما سأكون حيّا وأنا أكتب هذه الكلمات، في عام ألفين وثمانية عشر للميلاد، غرة محرم من عام ألف وأربعمئة وأربعين للهجرة، تجمهرت الحشود أمام آخر معاقل الثوار، كانت الحرب مفتوحةً على كلِّ أنواع الأسلحة يومها، وكانت مناطقنا ميدانًا لتجريب أحدثها وأشدها فتكًا وقتلاً، حتى ذلك اليوم كنَّا قد ودعنا أكثر من مليون شهيد، وتهجَّر نصف سكان البلاد البالغ بضعة وعشرين مليونًا، وشهدنا دمار مدننا ومجازر مروعة بحق أهلنا، الدماء كانت تغطي كلَّ شيء وآثارها باقية على الركام، أذكر أننا بقينا نرى الدماء والأشلاء والعظام لعشر سنوات بعد نهاية الحرب.
لم يكن كلُّ العالم مهتمًا لِما يجري، بل كان يتابع قتلنا بكل السكينة والهدوء، وكثيرًا ما كان يوجه الإدانة لنا نحن الذين ندافع عن أنفسنا، على أننا من يخترع الإرهاب والحروب، تعرضنا في السنوات السابقة لأكثر من هجوم إبادة بأسلحة كيماوية تميت الناس خنقًا، وكنَّا في تلك الأيام نتجهز لهجوم كبير من هذا النوع، فقد تمَّ اتهامنا من منظمة الأمم المتحدة أنَّنا نحضر لقتل أنفسنا بالغازات السامة كي نتهم نظام دمشق بتلك المجزرة.
نعم لقد كانت الأمم يومها بتلك السخافة، تؤمن أنَّنا يمكن أن ننتحر وننهي حياتنا وحياة من نحب وحياة أطفالنا الصغار فقط من أجل أن نحصل على إدانة منها تجاه نظام دمشق وسفاحها.
كنَّا نرى دين هذه الأيام بين أعيننا، كنَّا نرى الجيل القادم وهو يتابع معركة الحرية التي بدأناها، لم يكن التفريط أمرًا مستساغًا، ولم يكن الاستسلام مجديًا، لقد كانت حربًا كبيرة جدًا بكل تفاصيلها، لكن حاولنا على كثرة الخذلان أن نكون أكبر من تلك الحرب، وأن نستمر في كفاحنا الذي بدأناه قبل سبع سنوات من هذا التاريخ، كانت الحرية التي داعبت أرواحنا أمرًا يستحق، وكانت الرسالة التي نؤمن بها أمانة كبيرة في أعناقنا لنوصلها إليكم بأفضل صورة ممكنة.
حملتنا أرجلنا بكل تثاقل الأرض، سقطنا كثيرًا في الطريق الطويل، نزفت وجوهنا، وفُقئت أعيننا مرارًا، لم نستطع أن نعترف بالرضوخ، كان يجب علينا أن نصل بطريقة ما …
المدير العام | أحمد وديع العبسي