علاء عبدالرزاق المحمود |
بدأت رحلة التهجير القسري للمدنيين منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ابتداء من ريف حماة الغربي مروراً بريف إدلب الجنوبي، ما شمل عشرات القرى والبلدات (قلعة المضيق، كفرنبودة، الهبيط، جبل شحشبو، كفرسجنة، معرة حرمة… وغيرها الكثير)
يقول النازح رشيد القسوم: “نزحنا في بداية شهر رمضان الماضي، بعد اشتداد القصف، حملنا بعض أمتعتنا على عجلٍ ليلاً إلى قرية معرة حرمة، ولم نعد من ذلك الحين، كانت وجهتنا التالية مدينة إدلب، وإلى الآن ما نزال نتنقل بين المدن والقرى.”
رشيد كالكثيرين مايزال هائمًا على وجهه وعائلته لا يعرف أين سيستقر، وعند سؤالنا له هل استطاع إنقاذ شيء من متاع منزله قال: “لم أستطع أن أنقذ سوى هذا السلم الخشبي المكسور والمهشم، والقليل من الأغراض والأمتعة، والقليل أيضاً مما يسد رمقنا ويسكت صراخ الأطفال، وهذا المفتاح لباب المنزل الخارجي، سنعود بإذن الله.”
كانت هذه الحملة الأشرس والأكبر من حيث عدد النازحين المهجرين قسراً، مما استدعى استجابةً شاملةً على مستوى الشمال السوري المحرر، وما يحوي من منظمات ومؤسسات وجمعيات.
يقول سامي اليوسف (مدير مديرية الإغاثة في إدلب): “وثقنا واستقبلنا أكثر من 50 ألف عائلة من ريف حماة وإدلب على حدٍّ سواء، أيّ حوالي 300 ألف نسمة على أقل تقدير، كان الضغط كبيرًا، والتعاون والتنسيق في أعلى درجاته بين المديرية والمنظمات الفاعلة في المجتمع.”
وعن آلية الاستجابة يُوضح اليوسف: “تم استحداث مراكز إيواء مباشرةً لتجميع النازحين في بداية الأمر، وتم توفير بعض المستلزمات الإغاثية، ومن ثم التنسيق مع مديرية المخيمات؛ لإنشاء مخيمات تستوعب النازحين ومن ثم تزويد المنظمات بالمعلومات وتوجيهها إلى هذه المخيمات لمساعدة الأهالي باللوازم الأساسية، من خيم ومواد استهلاكيةٍ.”
ماذا قدمت مديرية الإغاثة ضمن إمكانياتها في ظل هذه الأزمة إلى جانب المنظمات؟
“قامت المديرية بتوفير أراضٍ من أجل استصلاحها، وتعبيد الطرقات فيها قدر المستطاع، وتوفير الآليات من أجل ذلك، حيث تم استصلاح أكثر من 1800 دونم أرض، وتم تسيير فرق ميدانية تتابع التجمعات العشوائية على طول الطريق الواصل من إدلب إلى باب الهوى.”
وأردف اليوسف: “تم إنشاء أكثر من 20 مخيمًا في كل من (أطمه، ودير حسان، كللي، وحارم) بالإضافة إلى المخيمات السابقة التي كان لها قدرة لا بأس بها على الاستيعاب.”
ومن المنظمات الفاعلة في الاستجابة الطارئة، منظمة بنفسج، يقول (أحمد قطيش) منسق فريق الطوارئ: “تم تسيير فرق ميدانية على طول الأوتوستراد خارج مدينة إدلب، كانت مهمة الفرق تقديم بعض المواد التي تخفف عناء النازحين، حيث تم تقديم أكثر من 400 ربطة خبز، ومياه للشرب، وسلل الضيافة، ووجبات غذائية للعائلات المنتشرة على الطرقات بشكل يومي، والعمل على تشكيل غرفة استجابة لزيادة التعاون والتنسيق مع باقي المنظمات فيما يخص الإيواء، حيث نسعى لتوفير المستلزمات لأكثر من 500 عائلة يومياً.
لكن المراكز الطبية الموجودة في المجتمع المُضيف غير قادرةٍ على استيعاب الأعداد الهائلة من المرضى يوميّاً، فهناك العديد من المرضى ذوي الأمراض المزمنة والعديد العدي من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لذلك قامت مديريات الصحة، في حماة وإدلب، بتشكيل غرفة استجابة طارئة لبحث التوزع السكاني الجديد وتوزيع الخدمات الطبية اللازمة، وبالأخص مديرية صحة حماة الحرة، حيث قامت بنقل مراكزها من مناطق التصعيد إلى المناطق التي احتوت على أكبر عدد من النازحين الجدد.”
يضيف المسؤول الإعلامي في مديرية صحة حماة الحرة، (إبراهيم الشمالي): “بعد الحملة العسكرية، قامت مديرية صحة حماة بالتعاون والتنسيق مع مديرية صحة إدلب والمنظمات الفاعلة بدراسة الفجوات الطبية لتقديم الخدمات الطبية لأهلنا النازحين، وتم إنشاء خمسة مراكز صحية جديدة في منطقة الشمال، وبالأخص حارم والدانا، حيث تم مراعاة التوزع الجديد، وتقديم الخدمات الطبية في المناطق التي تخلو من مراكز صحية قريبة.”
وأردف الشمالي بقوله: “عملت المديرية بجهد وسرعة كبيرين لتغطية النقص الحاصل وتلبية الاحتياجات المتزايدة، حيث تم افتتاح مشفيين جديدين بأمراض النسائية والأطفال ضمن الإمكانات المتوفرة في ظل توقف الدعم عن المديرية، لكن مايزال العمل مستمرًا بشكل تطوعي بما تبقى لدينا من مواد ومستلزمات طبية.”
وعن حملة (الوقاية من الليشمانيا) أوضح الشمالي أن “مرض الليشمانيا مستوطن في ريف حماة الغربي، ونتيجة التغيير الديموغرافي الجديد، لابد من حملة للوقاية على مستوى المجتمع المُضيف والمجتمع الجديد، حيث تم توزيع (ناموسيات) على حوالي 150 نازح، وتم توزيع61200 ناموسية، وذلك في منطقة حارم والدانا.”
صحيفة حبر التقت أيضًا (محمد الحسن) مدير مخيم قلعة المضيق، الذي حدثنا عن المخيم بقوله: “يحتوي المخيم على 108 خيام، ومنظمة (شفق) قامت منذ شهر رمضان الفائت بتوفير المساعدات للأهالي، والآن وصل عدد العوائل إلى أكثر من 475 عائلة. تعاني هذه العائلات من شح المواد الغذائية المقدمة، والحاجة الماسة لبعض الخدمات الصحية واللوجستية، وبعض الخدمات على صعيد الصرف الصحي، حيث تم توزيع بعض المواد العينية والاستهلاكية، لكن هذه المساعدات لا تكفي في ظلّ هذه الأزمة وفي ظلّ عدم إمكانية رجوع أحد من الأهالي إلى بيته. “
على الطرف الآخر، كان للإعلامين دور بارزٌ ومهم، حيث تم توثيق هذا النزوح وتغطية الأخبار والقصف والتهجير، (أبو البراء) إعلامي في مدينة إدلب يُوضح هذا الدور بدءًا “من التعاون والتنسيق مع منظمات المجتمع المحلي، وتوجيه جهودها إلى أماكن التجمعات والنزوح، ومراكز الإيواء، وتسليط الضوء على بعض الحالات الإنسانية التي تحتاج رعاية خاصة.”
يضيف قائلاً: “على الطريق الواصل ما بين إدلب وسرمدا، مازالت هناك بعض التجمعات العشوائية بين أراضي الزيتون، والنازحون هناك بحاج مساعدات صحية ومواد إغاثية.”
يقول الحاج (أبو فادي) من نازحي قرية اللطامنة: “مالك الأرض لم يأخذ منّا إيجارًا على خلاف بعض ضعاف النفوس الذين استغلوا الناس في محنتهم وأزمتهم، لكننا اشترينا الخيم على حسابنا الشخصي، ونعاني من نقص شديد في كلّ شيءٍ، سواء على صعيد المواد الإغاثية أم الاحتياجات الطبية، مخيمنا حديث جداً، ومنتشر بين الزيتون على الطريق الواصل بين معرة مصرين وحزانو ولا أحد سمع بنّا، وأنا مريض قلب، أحتاج رعاية صحية خاصة وبعض الأدوية الضرورية وهذا لا أجده في صيدلة العيادة المتنقلة التي تزورنا بعض الأحيان.”
أمّا في مدينة إدلب، تفاوت الأمر بالنسبة إلى السكن، فلا مخيمات تذكر إنّما مراكز إيواء مؤقتة، وبعض النازحين فضّل السكن في الشقق السكنية مقابل دفع مبلغ من المال كلّ شهر، حيث تفاوتت الأسعار، وتفاوتت نسب الإيجارات، يمكننا أن نجد بعض أصحاب المكاتب العقارية الذين تخلوا عن نصف أتعابهم رحمة بالناس وتقديراً لظروفهم، والبعض الآخر زاد من قيمة استئجار العقار وفي قيمة أتعابه، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى مبلغ 50 دولار.
يقول (أحمد معمار) صاحب مكتب الحمزة العقاري، في حيّ الجامعة: “بعض المكاتب رفعت قيمة أتعابها، وبعض المكاتب تنازلت عن القسم الأكبر، لا يمكنك إرغام أحد على الفضيلة، أمّا عن القيم المرتفعة لاستئجار العقار فأصحاب العقارات هم المسؤولون عن ذلك، حيث يقوم أحدهم بتحديد رسوم الاستئجار بمبالغ ضخمة جداً.”
كيف تعاملتم مع هذه الأزمة؟ “حاولنا توفير بعض المنازل وتسخير المنازل المعروضة للبيع للسكن المؤقت، وتنازلنا عن نصف أتعبانا بعض الأحيان مراعاة لظروف النازحين، وحاولنا مساعدة الناس قدر المستطاع.”
ومايزال المشهد مستمرًا..