بقلم : أحمد يزنكان استقبالنا رائعًا جدًا وحافلًا بكل أصناف التعذيب، فحين نسمع وقع السياط على الأقدام والعصي على الظهور واللكم والخبط على الرؤوس والصراخ والاستغاثة من التعذيب، فذلك تعذيب بحد ذاته، ونحن في ساحة التعذيب كانت تمر علينا الثواني والدقائق كأنَّها أسابيع وأشهر، استمر تعذيبنا قرابة الساعتين ونصف الساعة، ولكن ..حين جاء دور أحد الأخوة كي يوضع في الدولاب وينال كباقي رفاقه من السجناء قسطًا من التعذيب همَّ قائلاً -ولم يكن التعذيب قد بدأ بشكل فعلي-: “ألا تحترمون الرتب العسكرية؟ ألستم عسكريين؟ ألستم رفاق السلاح؟ ألا تحترمون من قضى جلَّ حياته في خدمة هذا الوطن؟ ألا تقدرون من أفنى عمره وهو يدافع وينافح عن هذا الوطن ” ولكن ما إن سمع قوله أحد الشرطة حتى أخذه إلى المساعد الذي كان واقفًا يتابع التعذيب عن كثب، وهو يحث الشرطة ويشدُّ من عزيمتهم، كلما شعر أنَّ قواهم كادت تخور، وقال الشرطي للمساعد: “هذا يقول متسائلاً: ألا يوجد احترام للرتب العسكرية عندنا” تلقاه المساعد قائلاً:ماهي رتبتك؟ ومن قال لك بأنَّنا لا نحترم الرتب العسكرية هنا؟أجاب الأخ قائلاً:كنت منذ سنوات كثيرة رائدًا في الجيش، وقد خضت حرب تشرين، وأبليت فيها بلاءً حسنًا، ودافعت عن الوطن، وزدت عن حياض ترابه، ومعي أوسمة كثيرة، ومعي …. وراح يعدُّ له.قال المساعد: علينا أن نحترمك إذًا، علينا أن نقدرك، ثم نادى:أبو غضب، رامز، سمير، تعالوا إلى هنا، كان هؤلاء الثلاثة هم من أشقى وأخبث الشرطة وقال لهم:خذوا هذا الرائد واحترموه احترامًا عظيمًا، وأكرموه بأفضل أنواع التكريم إنَّه قدم كثيرًا. أخذه هؤلاء الشرطة بعيدًا قليلًا عن مكان تعذيبنا في الباحة السادسة، وجرَّدوه عن ثيابه، وبسرعة البرق وُضع في الدولاب وهو دولاب السيارة الصغير، وانهالوا عليه ضربًا وركلاً وتقتيلاً، وهم يقولون له بسخرية لاذعة:أوك سيادة الرائد، أنت تأمر أمر، علينا أن نحترمك، علينا أن نكرمك أنت على الراس والعين، واستمروا في تعذيبه حتى انتهى آخر واحد منَّا من التعذيب، ثم حمله بعض البلديات ” وهم سجناء عسكريون قد خالفوا أوامر عسكرية أو هربوا من خدمة العلم “وأدخلوه معنا إلى قاعة كبيرة تدعى بالمهجعكان جسمه كأنَّه قطعة قماش سوداء داكنة، ممتلئ بالجروح والقروح ورأسه مملوء بالنثورات، متورم الجسم والقدمين، مغمى عليه، يخرج من أنفاسه بصعوبة شديدةوحشرجة قوية نسمعها تخرج من فيه، وكان قد ضُرب لوحده ضرباً مساوياً لضرب جميع أفراد دفعة السجناء من زملائه من التعذيب، ثمَّ دخل المساعد علينا، وراح يتمشى وراءنا ونحن واقفون نراوح ونهرول مكاننا، متجهين إلى الجدار وهو يقول:تحملوا ولا تتحملوا، أنتم جنيتم على أنفسكم، ثم قال:إن كان هناك آخرة وجنَّة ونار كما تزعمون فقد فزتم وربحتم، وإن لم يكن هناك حياة أخرى نكون قد … بأفحش أنواع المسبات والشتائم التي أخجل عن ذكرها، وراح يتوعدنا ويهددنا قائلاً:وقعتم بأيدي وحوش ضارية ستأكلكم، وسترون نجوم الضحى والظهر والعصر هنا، سنفعل بأمهاتكم كذا وكذا ” كناية عن الفاحشة والزنا “ثم سأل: هل يوجد بينكم عسكري؟خرج ثلاثة من الأخوة متحدين الموت، وقالوا: نحن، انتقى منهم واحدا، وأمره بأن يصبح رئيساً للمهجع، وقال له: أنت المسؤول الأوَّل عمَّا يحدث في المهجع، عليك أن تخبرنا بكل شاردة وواردة، عليك أن تخبرنا بكل كبيرة وصغيرة تحصل معكم، وعليكم أن تغمضوا بعيونكم وتخفضوا رؤوسكم دوماً عندما تتحدثون مع أي عسكري منَّا، كلُّ شيء هنا ممنوع، فالصلاة ممنوعة، والنظر الأعلى ممنوعة، ولا تتوقعون منَّا إلا مزيداً من الإهانة والتعذيب هنا ستنسون الحليب الذي رضعتموه من أمهاتكم، عليكم أن تنسوا الخارج تماماً، ثم التفت إلى رئيس المهجع وأردف قائلاً:عليك أن تقول كلما فتح الباب أو أغلق العبارة التالية:المهجع جاهز للتفتيش حضرة الرقيب الأول …. ثم انصرف