عبد الملك قرة محمد
تعدّدت المؤشرات العالمية التي أكّدت أنَّ سوريا خالية من أدنى مقومات العملية التعليمية، وبالتالي فهي خالية من المؤسسات التعليمية، لكن العملية التعليمية في المناطق المحررة لا تزال مستمرة، وفي تطور ديناميكي دائم في مختلف المراحل من الأساسية إلى مرحلة التعليم العالي التي وُلدت حديثاً في المناطق المحررة من رحم الحاجة للخبرات العلمية.
طُلّاب المناطق المحرّرة يجرون امتحاناتِ الفصل الدراسي الأول لهذا العام بالرغم ممَّا واجهوه من صعوباتٍ تبددت أمام إرادتهم ووصلوا إلى مقاعدهم… وصلوا بكل ما فيهم من إيمان الشباب وصلابة الموقف…. وصلوا وهم يدركون ضرورة دراستهم وأهميتها على المجتمع السوري خلال الظروف الصعبة …وصلوا وهم يحملون بذاكرتهم كلَّ صور الألم والحرب التي رافقت طريق العلم الذي سلكوه رغم مشقّته، ليثبتوا لكلِّ المؤشرات التي صدرت خلال العام الحالي والأعوام المنصرمة التي أكّدت أنّه لا تعليم في سوريا نتيجة الحرب، بأنّه لا تعليم إلا في سوريا، فهنا التعليم بكل معانيه، هنا يكون التعليم نقشاً على حجرٍ صعب التحصيل، لكنَّه صعب الزوال أيضاً.
المناطق المحررة بجامعاتها ومعاهدها استقبلتِ الطُلّاب في قاعات الامتحانات بأعدادٍ أكبر من السّنة الماضية رغم تردّي الأحوال الأمنيّة، لكنّ إقبال الطلبة ازداد بشكلٍ واضح وحاز التعليم العالي إقبالاً واسعاً لدى فئة الشباب.
المعاهد المتوسطة حصلت على شرف تخريج أول دُفعة طلابيّة منشؤها المؤسسات التعليمية الثوريّة خلال العام الماضي الذي شهد تخريج عددٍ كبير من الطلاب ليزاولوا مهنة التعليم جنباً إلى جنبٍ مع معلميهم.
(مجد عساف) أحد طلاب السّنة الثانية في معهد إعداد المعلِّمين يقول: “نتقدم إلى الامتحانات بعزيمة قويّة وإصرارٍ على التعليم رغم كلِّ العوائق التي واجهتنا خلال الفصل الدراسي الأول، حيث تمَّ تعليق الدوام في المعهد نتيجة استهدافه المتكرر من قبل الطيران الحربي، كلُّ ذلك لم ينقص من عزيمتنا شيئاً، فها نحن قد أتممنا تعليمنا خلال الفصل الأول، وتقدمنا لإجراء الامتحانات وكلنا إيمان بجهادنا العلمي الذي نكمله في ظل الحرب القاسية، وسنواصل التعليم في رغم كل ما يفعله إجرام النظام، ولن نتوقف أبداً، وقد أتاح لي المعهد الحصول على الخبرات العلمية اللازمة لأكمل حياتي معلماً للرياضيات.”
أمَّا طلاب جامعة حلب في المناطق المحررة فقد ذاقوا أيضاً مرارة توقفهم عن الدوام، إذ تمَّ تدمير عدة كليات منها: كليتا الطب والآداب، لكن الجامعة استطاعت تجاوز العقبات، وتمَّ نقل الكليات إلى أماكن أكثر أمناً، كما تمَّ استيعاب الطلاب الذين خرجوا من حلب في كليات الريف، وأتاحت الجامعة لخريجي المعاهد المتوسطة فرصة إتمام تعليمهم كطلاب في السنة الثالثة كلٌ حسب اختصاصه.
(دعاء حراق) طالبةٌ في كلية العلوم وهي في سنتها الثانية في قسم الكيمياء تقول: “أكملت السنة الأولى في قسم الكيمياء رغم عدة مشاكل واجهتنا أثناء العام الدراسي، كانت تتمثل بقلة المستلزمات اللوجستيّة في الجامعة كنقص المواد ومشكلة المواصلات، وفي بداية الدوام في الفصل الأول من السنة الثانية أصبحت المشاكل تتفاقم برمّتها، حيث تمّ قصف مبنى الجامعة، وتمّ نقل الكليّة على إثرها نتيجة دمار أثاث الجامعة وأيضاً دمار المخابر العمليّة، وباتت المشاكل أصعب بعد ذلك، ولعدم توفر المبنى تمّ إعطاء المحاضرات على بعض مواقع التواصل التي لا تفي بالغرض التعليمي، لكن أن تشعل شمعة خيرٌ لك من أن تلعن الظلام، ومن ثمَّ تمَّ نقلنا إلى مكانٍ آخر توفر فيه المخبر العملي الذي يحوي بعض المواد اللازمة لتجارب الفصل الأول دون غيرها، وأكملنا الفصل الدراسي الأول بمرارة وألمٍ نتيجة حقد النّظام المجرم على المناطق المحررة، نحن الآن على مقاعد الامتحانات نؤكد للجميع قدرتنا على التعليم رغم جراح أدمت أحلامنا وصعوبات هددت مستقبلنا.”
ولدى لقاء معهم في قاعات الامتحان أكّد الطلاب استمرارهم في تحصيلهم العلمي رغم كل ما سيواجههم مستقبلا، فالتعليم هو الحل الذي سيتغلب على الواقع ويبنى المستقبل، وبالتالي سيكتب التاريخ لشعب لن يستكين.