عبد الملك قرة محمد |
يصادف تاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يوم الاحتفال باللغة العربية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
ومع استمرار المأساة المؤلمة التي يعيشها الشعب السوري، كيف يتلقى الطلاب السوريون لغتهم الأم داخل سورية وخارجها؟ لا سيما بعد غياب الدعم عن معظم مدارس الداخل السوري واضطرار كثير من العائلات السورية إلى اللجوء إلى دول أخرى أهمها تركيا وألمانيا نتيجة الأعمال العسكرية للنظام السوري.
اللغة العربية في الداخل السوري
منذ بداية تشكيل المؤسسات الحرة المستقلة عن مؤسسات النظام كانت الجامعات أولى تلك المؤسسات التي عملت الكوادر الحرة على تأسيسها والاهتمام بها اهتماماً خاصاً لتزويد المناطق المحررة بالكوادر والمدرسين في كافة الاختصاصات وأبرزها اختصاص اللغة العربية، حيث تمتلك جامعات ومعاهد الشمال السوري مجموعة كبيرة من حملة شهادة الدكتوراه والماجستير في اللغة العربية القادرين على إعداد مدرسين قديرين لتولي مهمة تدريس اللغة العربية للسوريين.
ورغم ضعف الإمكانيات وغياب الدعم من بداية العام الدراسي، ما يزال مدرسو اللغة العربية في الشمال السوري ملتزمين بأقصى خطوات التدريس وطرقه.
يقول (يحيى مصطفى) أحد مدرسي اللغة العربية في المرحلة الابتدائية: “إن الطفل يدخل مرحلة التعليم دون معلومات سابقة، لذلك نبدأ مع الطفل بأسئلة بسيطة تكون باللغة الفصحى حتى يدرك وجود لغة فصحى تختلف عن اللغة التي ألفها مع والديه.”
وأكد الأستاذ (يحيى) أن الطرق والوسائل لها دور كبير في إيصال اللغة العربية للتلاميذ في المرحلة الابتدائية التي تعد الأساس الذي يبني فيه الطفل مبادئ لغته الأم، حيث نوه إلى أن القصة والمسرحية والمسابقات والقراءة الجهرية إضافة إلى استخدام وسائل العرض الحديثة تساعد المدرس في إيصال أفكاره لصغار السن، خاصة أن الطفل يتعلم من الصورة أكثر ممَّا يتعلمه من الكلام الجاف.
ويرى (يحيى) أنه من الخطأ أن تكون لغة المعلم فصيحة بشكل كامل مع الأطفال، إذ لا بد من التنويع بين الفصحى والعامية ليكون المعلم أقرب للطفل.
وأشار (يحيى) في ختام حديثه إلى أن “غياب الدعم يخلق تحدياً كبيراً أمام المدرسين، لكنه بالمقابل قد يكون حافزاً عند كثيرين لبذل طاقاتهم خدمةً للعملية التربوية في الشمال السوري المحرر.
بدوره أوضح (محمد أحمد عبد اللطيف) وهو مدرس حلقة ثانية منذ أكثر من عشر سنوات، أن عدداً كبيراً من الطلاب انقطع عن التعليم بسبب الحرب، إضافة إلى توافد الطلاب النازحين، ممَّا اضطرنا، نحن مدرسي اللغة العربية، إلى إعادة مبادئ اللغة العربية في بداية كل سنة دراسية، كما دعونا الطلاب لإقامة علاقات صداقة مع النازحين لدمجهم وتلافي ما فقدوه على الصعيدين العلمي والنفسي.
ونوّه إلى أن “مشكلة ضعف الرواتب الشهرية، وغياب الدعم، ومواد التدفئة، يزيد من صعوبة مهمة المعلم ويؤثر على تطور التعليم بشكل سلبي.”
تعليم اللغة العربية في دول اللجوء
وجود السوري في بلد آخر يتحدث بغير العربية يؤدي إلى تشكل صراع لغوي قد يؤثر على الهوية العربية السورية، وبالتالي ضعف العلاقة بين الطفل ولغته لا سيما الأطفال الذي يولدون في دول اللجوء.
والتقت صحيفة حبر مع الأستاذ (خالد أسعد) الذي يعمل إدارياً في مدرسة تعليم مؤقت بمدينة إسطنبول التركية، حيث أكد لنا أن “الوضع مأساوي، ويوجد 13600 مدرس يعمل مع اليونيسيف، ومنذ قرار دمج الطلاب السوريين مع الأتراك تم تعيينهم في المدارس التركية، وللأسف لا يوجد مادة اللغة العربية رغم تلقينا وعود عدة بإدخال العربية في مناهج التدريس لكن هذا لم يتم حتى الآن.”
وأكد (الأسعد) أن “الطلاب السوريين الذين يدرسون في المدارس التركية أُميِّون باللغة العربية إلا بعض الطلاب الذين التحقوا بمراكز مأجورة لتلقي مبادئ اللغة العربية.”
وأضاف الأستاذ خالد أنه “حضر المؤتمر الدولي للتعليم الذي أُقيم في إسطنبول عام 2017 وخرج المؤتمر بتوصيات ودعم كامل من قطر، لكن هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح وطلابنا يتحدثون العربية العامية لكن لا علم لهم بمبادئ الكتابة والقراءة.”
وحمّل الأسعد في ختام حديثه مع صحيفة حبر مسؤولية عدم الحفاظ على اللغة العربية لمنظمة اليونيسيف.
بالمقابل فقد أوضح أحد مدرسي اللغة العربية في تركيا، ولم يرغب بذكر اسمه لأسباب خاصة حسب تعبيره، أن “الحكومة التركية اهتمت في البداية بتعليم اللغة العربية للطلاب السوريين خلال السنوات السبع الماضية من خلال إنشاء المدارس السورية المؤقتة بالتعاقد مع الاتحاد الأوربي، ولكن ما حدث في الفترة الأخيرة من إغلاق المدارس السورية المؤقتة ودمج الطلاب السوريين بأقرانهم الأتراك ونقل المعلمين السوريين إلى المدارس التركية وإيقافهم عن تدريس المنهاج السوري واللغة العربية وجعلهم مشرفين وإداريين على الطلاب السوريين في المدارس التركية وربما يكون هذا من ضمن بروتوكولات واتفاقيات دولية خاصة باللاجئين السوريين، أثر سلبًا على العملية التعليمية وعلى اللغة العربية بشكل خاص.
إذ أصبح الطلاب السوريون لا يتحدثون العربية إلا مع أهلهم في البيت دون التطرق للكتابة وممارستها بشكل يومي، وهذا سيؤثر عليهم مستقبلاً فيما لو أرادوا إكمال دراستهم في بلدهم الأم سورية في حال إعادتهم إليه.
والأمر الآخر هو عدم استجابتهم السريعة وعدم فهمهم للمنهاج التركي بسبب انقطاعهم عن الدراسة وبسبب أعمارهم المتفاوتة وبسبب عدم تمكنهم من اللغة التركية بشكل كامل.
من جهة أخرى فقد منحت الحكومة التركية تراخيص لمن أراد أن يفتتح معاهد خاصة لتعليم القرآن الكريم أو روضات لتعليم اللغة العربية، وهذا سيساعد على الحفاظ على اللغة العربية وتعلمها قراءة وكتابة ولكن ليس كما يجب.”
وكشف المدرس أن “المعلمين السوريين اقترحوا على مديريات التربية في الولايات تعليم الطلاب السوريين اللغة العربية وإعطائهم ولو بضع ساعات أسبوعياً خارج أوقات الدوام الرسمي أو في أيام العطل الأسبوعية والفصلية والسنوية الرسمية
أو إنشاء كورسات خاصة باللغة العربية وحتى هذه اللحظة لم يأتِ الرد بالموافقة أو الرفض.
وكحل إسعافي اقترح مدرسون من أصحاب الاختصاص تسجيل أبنائهم في مدارس إمام وخطيب (الشرعية) التي تحتوي على مادة اللغة العربية والقرآن الكريم.”
وإلى ألمانيا حيث نقلت صحيفة حبر في مقال لها كتبته (أسمى الملاح) منذ فترة قصيرة مبادرة تهدف لترسيخ اللغة العربية لدى جيل الأطفال السوريين الناشئ في بلد المهجر الذين اضطرت عائلاتهم للجوء هربًا من ويلات الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من 8 سنوات.
وحملت المبادرة اسم “زيد بن ثابت” وأقيمت في جامع “أبو بكر الصديق” في مدينة كولن ” Köln” في ألمانيا بإشراف المدرس “محمد عبد الكريم”، وبالتعاون مع عدد من المهتمين بتدريس اللغة العربية.
وبين داخل يفتقر للإمكانيات وخارج يمنع تدريسها تسأل العربية نفسها:
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ- إلى لغة ٍ لمْ تتّصلِ برواة ِ
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي (حافظ إبراهيم)