جرت العادة أن هناك خطباً موسمية على المنابر في كل عام، ونحن اليوم نحاول أن نجعل لبعض مقالاتنا مواسم تزهر فيها على شفاه القراء الأعزاء، ولعل أهم هذه المواسم شهر حصاد المسلمين ونصرهم، شهر رمضان.لا أريد أن أكرر هنا كلام الخطباء، من أنّ هذا الشهر ليس شهر عبادة وصيام وصلاة فحسب، بل هو شهر عملٍ وجهادٍ وأخلاق وعطاء وتضحية وإخلاص وخير ووو … وإنما أود أن أوجه رسالة بسيطة جداً إلى المسلم الصائم .ما أريد الحديث هنا هو عن تلك الثقافة التي يكسبنا إياها الصيام، والتي هي ثقافة الامتناع .. ، خلال عام كامل نمارس الأخذ، ليأتي شهر رمضان لنمارس الامتناع، والامتناع هذه المرة يكون عن الحلال (الطعام والشراب والجماع بين الزوجين)، إنه ليس امتناع عن المحرمات التي فرض علينا الامتناع عنها في أي وقت، بل هي هنا أمتناع عما هو حلال، عمّا هو حاجة أساسية عند الإنسان، ليكون هذا الشهر وقفة سنوية يعيد فيها المسلم ترتيب نفسه وتجديد عهده بالالتزام، حيث يصبح الامتناع عن المحرمات هو الشيء البديهي عند الفرد المسلم بما أنه ممتنع عن الحلال، فالامتناع عن المحرمات أولى، وأكثر سهولة في النفس، إن تلك الثقافة تمنح المسلم قوة الإرادة، عند تصديه للمهمات العظيمة، ففي حين أن أقل الشهوات بإمكانها أن تستذل غير المسلمين، يكون المسلمون قد تدربوا جيداً على حفظ عزّة نفوسهم حتى عند غياب أشدّ الاحتياجات الأساسية للإنسان، ويتشكل لديهم الرادع الداخلي، الذي لا يحتاج للرقباء، فالصائم هو الرقيب على نفسه، وهو من يقرر إن كان سيخدع نفسه أم لا، فلا أحد يمكنه أن يكتشف من يفطر سراً، لذلك يكون المجتمع المسلم الحقيقي محكوم بالرادع الداخلي الذي لا يتطلب جهداً كبيراً في تحقيق العدالة في كلّ مفاصله، فهو مجتمع تعلم أن يأخذ ويعطي ويمتنع بإرادة خالصة وإيمان عميق بالعقيدة التي ينتمي إليها. المدير العام / أحمد وديع العبسي