بقلم عبد الكافي قصاب يقصد بالمجتمع المدني تلك المنظمات والهيئات والجمعيات واللجان الخدمية والتطوعية الإنسانية لتكون عناصر فاعلة على كافة الأصعدة الثقافية والخيرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وتهدف هذه الكيانات لأن تكون نبض وتطلعات الشارع التي تنتمي إليه وتجسده فكرا وقولا وعملا وتسعى للسمو بالإنسان والارتقاء به. ولشديد الأسف إنَّ العمل بهذا المصطلح في مجتمعنا الإسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص هو أمر نادر يقتصر على عدة دول، والأفراد المستفيدة من أنشطة هذه المجتمعات هم نسبة ضئيلة لا تتناسب مع أمَّة المليار كمًا ونوعًا. وقد بدأت وسائل الإعلام تروج لهذه الهيئات بعد ثورات الربيع العربي عندما انهارت الحكومات وتفككت أجهزة الدولة المدنية، كرد فعل سلبي لغياب هذه الثقافة بين أفراد المجتمع الثائر. ووجدت بعض هذه البرامج والفعاليات حيزا للتنفيذ بالفضاء العربي، وذلك في نطاق ضعيف وخجول أفرزته الحاجة والفاقة المدنية عقب الثورات، فكانت بمثابة استجابة المريض لتناول الدواء في مراحل متأخرة من مرضه المزمن، بينما كان هذا الدواء منسيا متجاهلا في صيدلية البيت العربي. إنَّ البعض وحتى الآن يعتبر هذه المنهج قولا وفعلا هو وليد الحضارة الغربية، في حين أنَّه من صميم شريعتنا الغرَّاء، وذلك امتثالا لقوله تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” فتطلعات هذه المجتمعات ليست إلا مكارم تممتها رسالة الإسلام في الوقت الذي كانت فيه أوربا يقتص فيها الدائن من لحم مدينه أو يباع عبدا في السوق أو تسترق أسرته بكاملها لحين الوفاء. فصور التكافل والتعاضد والأخوة أكثر ممَّا تحصى في حياتنا وكلها تحتاج إلى تطبيق، والفرد فيها هو الغاية بعينها وبكليتها، والآلية تحتاج مساعدة الجميع لإنجاز المرجو عزيزي القارئ إنَّ الواقع السوري يفرض علينا كأبناء دين ووطن أن نسعى لتحقيق البنيان المرصوص، ليكون من مكونات الحقبة القادمة، ليأخذ هذا العقل دوره في قيادة الجسد، فالمجتمع المدني هو الأكثر ديناميكية في التأثير من تعليمات السلطة وتوجيهاتها وروتينية الإعلام وتسمماته وسلطوية القرارات وغاياتها الضيقة. فما يحمله هذا المجتمع في طياته عند السعي لتنفيذ حملاته وبرامجه من تنوع فكري وإبداعي ومهني واجتماعي وثقافي يمنحه مرونة وقوة تفاعل في بنائه، وتعطيه ميزة الانتشار في جامعاتنا ومساجدنا ومدارسنا ومؤسساتنا الحكومية والأماكن العامة، وتميزه عن الطرق والمناهج المغايرة. قال الله تعالى “ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم” لعلَّ العمل لتحقيق هذه الخطوة هو السبيل الأنجع لبناء الفرد المسلم الذي سيكون أداة العمل والنشاط في الحرب والسلم وفي الأزمات والكوارث والاضطرابات وغيرها، لتثمر بذرة العقيدة والإرادة المزروعة فيه كمعاني الأخوة والرحمة والعدل والترشيد والمقاطعة وحقوق الناس وملكية المسلمين والإخلاص في العمل و … ليقف هذا الإنسان سدَّا منيعا في وجه الغزو الثقافي والحضاري وكل محاولات العبث بقيم وأسس هذا البناء الذي تعجز قوة الجيوش عن صدها، لأنَّها تحتاج سلاح الذات المؤمنة بفكرها ومبادئها. فعلينا كجيل مسلم أن نبني هذا الجسد الذي صوَّره لنا رسول الله المعبر عن ضمير الجماعة الساعي إلى تحقيق العدل، تلك العين التي لا تغفل عن عمل العاملين وحقد المتربصين.