غسان الجمعة |
يعتزم الرئيس التركي أردوغان زيارة موسكو للقاء نظيره بوتين في الثامن من الشهر الحالي في ظل ظروف ومتغيرات جديدة طرأت على الساحة الإقليمية للمنطقة والداخلية بالنسبة إلى تركيا، فرغم اتسام العلاقة بين أنقرة وموسكو على مدار السنوات الأخيرة بالندية والتفاهم على أساس احترام المصالح، إلا أن موقف الرئيس التركي بات أكثر صعوبة أمام بوتين رغم إدراك الأخير أهمية المصالح والتفاهمات مع أردوغان كشخص وتيار سياسي حاكم في تركيا.
الاستدارة الروسية في الملف السوري تجاه إسرائيل مؤخراً ليست ورقة ضغط على إيران وتركيا، بل هي تغيير جذري في شكل وتفاهمات هذا التحالف الثلاثي، فبينما نجح بوتين من خلال تسلقه على سياسات كلا الشركين أُجبر الإسرائيليون على طرق باب الكرملين بشكل مستمر وحتى الاستعانة به لتحقيق رؤيتها في سورية، وتمكن أيضاً بشكل أو بآخر من امتلاك مفتاح السياسة الأمريكية في المنطقة من خلال ربيبة واشنطن المدللة.
موضوع الملف السوري هو أحد أهم المواضيع المُدرجة على جدول أعمال الجانبين، إذ لم يعد من الأهمية للروس كما كان في السابق في ظل إعادة ترتيب الروس لتسلسل الحلفاء بالنسبة إليهم في المنطقة ووضعهم المصالح الإسرائيلية على رأس تلك القائمة كونهم يدركون تماماً قدرة إسرائيل على خلط الأوراق وقلب الموازين في أي لحظة، لذلك دأبت البروغبندا الروسية على تقديم الطاعة للمصالح الإسرائيلية بأنها ليست في محور الممانعة، وهي غير معنية به في مواجهة إسرائيل بتصريحات أدلى بها السفير الروسي في لبنان، كما قدمت جثة جندي إسرائيلي خدمة مجانية لنتنياهو كعربون نوايا طيبة للمسلك الجديد، وهدية لحزبه قبيل الانتخابات الإسرائيلية، عدا عمَّا تمارسه من ضغوط على إيران وميليشياتها في سورية، فهل تستبدل موسكو حليفيها بتل أبيب؟
لعب الروس مع طهران و أنقرة لعبة الروليت القاتلة، وهي لعبة الحظ السيئ، حيث يخسر اللاعب ماله وحياته للخصم بتجربة إطلاق النار على نفسه بإرادته، فإما ينجو ليحظى بفرصة جديدة أو يُقتل أمام غريمه الذي يفوز بالمال وحياته، فقد اضطر الإيرانيون للوثوق بموسكو في سورية بعد عجزهم عن دعم الأسد عسكرياً لوحدهم و كفوا أيديهم عن حصة الأكبر من غنيمة الحرب، وانحازوا للمناطق التي أمرهم الروس التمركز بها، و غامروا بإمداد الأسد على حساب مواطنيهم في تجربة تلو أخرى حتى قتلتهم رصاصة نتنياهو بالتنسيق مع الروس الذين خدعوا الإيرانيين بلعبة التنازلات لتحقيق مصالحهم بالنهاية.
كما سلك الروس الطريقة نفسها مع الأتراك عندما انسحبت النقطة الروسية من عفرين لتشجع أنقرة على الانخراط أكثر في الملف السوري، ومن ثم أغرتها بالإس400 لتعزلها عن الناتو، وتلتها سحب القدم التركية إلى عمق إدلب بشروط تعجيزية بعد وضعها أمام خيار مواجهة طوفان النزوح والتهجير، وشجعتها أكثر بضرورة محاربة قسد لتضعها أمام خيار روسيا أو لا أحد من خلال استعداء الأمريكيين وحلفائهم بالنهاية، وهو ما يُكبل اليد التركية اليوم ويضعها تحت ضغوط غربية من جهة، وابتزازات روسية من جهة أخرى.
لا تزال المجازفة الروسية الجديدة في بدايتها، وربما نشهد مزيداً من التغيرات على الساحة السورية بإخراج روسي إسرائيلي، فهل تنجح أم أن حظاً سيئاً قد ينسف خططها ويطيح بها؟ البداية ستكون من مخرجات قمة بوتين وأردوغان.