علي سندة |
ربما ما يعوِّل عليه السوريون، نشوب صراع بين الأطراف المتصارعة على الأرض السورية؛ يساهم في انفراج لقضيتهم، خاصة بين حليفي الأسد (روسيا، وإيران)، وربما بدأت تلوح من ملامحه من (درعا)، فهل يحدث ذلك؟ وإلى أي حد ممكن أن يصل؟
الأرض السورية باتت ساحة نزال لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية بين المتصارعين، وبقاء بشار الأسد حاليًا أمر توافقي لأنه المصدر الذي يعتاشون عليه، في غياب الاتفاق على التركة السورية بعده، فمتى تم الاتفاق المصلحي دبلوماسيًا زال الأسد، وإن لم يتم فالجميع متجه نحو مواجهات غير مضمونة النتائج سينتج عنها غالب ومغلوب ومعادلات جديدة على الساحة السورية ربما تكون ليست لمصلحتهم، وهذا ما يحاول الحلفاء تجنبه قدر الإمكان.
لكن روسيا ترى أنها سبب بقاء الأسد ودفعت ما دفعت لأجل ذلك، وبالتالي تريد الحصة الأكبر من الترِكة السورية شيء لها، وكذلك إيران ترى أنها القوة البشرية على الأرض، ولولا ميلشياتها لما تقدّم الأسد شبرًا ولما تغيرت الخريطة، وكلٌ منهما تحاولان إحكام السيطرة على مناطق سورية وتثبيت عقود طويلة الأجل مع الأسد، لكن ليس كل شيء يتم بالتوافق دائمًا، فتداخل القوتين المتنافرتين أيديولوجيًا ببعض المناطق على الأرض سيؤدي إلى انفجار حتمي، كاستمرار الصدامات في حلب بين مليشيات إيران والعشائر التي تدعمها روسيا، وتوتر الأوضاع بينهما شرق الفرات ودخول حشود روسية كبيرة لأول مرة إلى دير الزور منذ أيام، ومثلها في درعا التي لم تهدأ فيها الصدامات مذ حدثت المصالحة فيها.
وربما يمثل تفجير الحافلة التي كانت تُقل مقاتلين من الفيلق الخامس يوم 20 حزيران الماضي، بداية للصراع بين القوتين في درعا، فالذين قُتلوا بالتفجير هم من اللواء الثامن في الفيلق الخامس الذي مقره (بصرى الشام)، وقد أثار ذلك حفيظة الأهالي وطالبوا بإخراج إيران من درعا، لوجود تأكيدات تثبت ضلوعها بالتفجير، الأمر الذي استغله عرَّاب المصالحات (أحمد العودة) قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس (مصالحات) المدعوم من روسيا، حيث توعد في التعزية بتوحيد حوران تحت راية واحدة لإخراج المليشيات الشيعية، وهذا ما يؤكد التفاف الأهالي حوله رغم أنهم يحمّلونه وزر تسليم حوران للنظام وروسيا، لحضور وجهاء وأعيان درعا أثناء حديثه بالتعزية، في إشارة لوقوفهم إلى جانبه، ولذلك الوقوف مقومات عدة: أولها أيديولوجي، حيث إن التركيب المجتمعي لأهالي درعا عشائري وجلهم من (السنة)، بينما مليشيات إيران معبأة طائفيًا لقتال السنة، لذلك يفضل الأهالي المحتل الروسي متمثلاً بأبنائهم في الفيلق الخامس، على المحتل الإيراني الغريب الطائفي، وكذلك معظم أبناء درعا في الفيلق الخامس هم مقاتلون سابقون ضد إيران وميلشياتها عندما كانون في الجيش الحر وماتزال لديهم رغبة لإنهاء وجودها بالمنطقة، فضلًا عن وجود تأكيدات بانضمام سبعة آلاف شاب من درعا مؤخرًا إلى اللواء الثامن الذي يقوده (العودة).
أمّا ما يحمل روسيا على دعم (العودة) لتقويض مصالح إيران في درعا، أو على الأقل تحجيمها وربما يتطور الأمر لاجتثاثها، فتمكينها للفليق الخامس على حساب إيران نظرًا لصعوبة الانتشار الروسي على كامل الرقعة السورية مقارنة بالقوة البشرية لإيران، الأمر الذي يغطيه تعزيز وجود الفيلق الخامس، وفي الوقت نفسه يثير حفيظة إيران ويجعلها تتلمس وجودها في المنطقة، وربما لفتح جبهتين على إيران بآن معًا في الجنوب، وشرق الفرات.
وربما الجانب الأهم بتقويض مصالح إيران بدرعا والجنوب السوري عامة، رغبة الكيان الإسرائيلي بذلك، إذ إنه لا يريد أن تكبر إيران على حدوده وتصبح قوة تنازعه السيادة في المنطقة وتنافسه، فضلاً عن وجود اتفاق روسي مع الكيان الإسرائيلي إبّان دخول درعا بعدم وصول مليشيات إيران إلى مناطق حدودية حساسة مع إسرائيل.
إن الأيام القادمة المُحمّلة بعقوبات قانون قيصر، ستكون ثقيلة على كل الأطراف التي تدعم الأسد، وستنعكس جولات تصفية أو توافق فيما بينها، لأن الخيارات الصفرية ليست من مصلحتهم.