حمود الكروم |
في النظر للوجود الروسي والإيراني في سورية، لا يمكن وصفهما إلا احتلالاً لدولة مستقلة محددة جغرافيًا، لها مقعدها في مجلس، وتمثلها أكثر من 150 سفارة حول العالم.
إن إيران وروسيا تريان أنهما تستمدان شرعية وجودهما في سورية، بناءً على طلب الحكومة الشرعية السورية، ووجود (بشار الجعفري) في الأمم المتحدة خير دليل على ذلك.
تدخلت الدولتان المحتلتان سورية بهدف حماية (بشار الأسد) ونظامه القمعي، وكل ما يتبع ذلك من أهداف قد يُختلف فيها أو عليها، وحقيقة الأمر أن لا غنى لإحداهما عن الأخرى (في المعارك العسكرية)، فقد ثبت فشل كل طرف منهما عندما حاول أن يتفرد بالعمل العسكري، فلا إيران تستطيع الثبات على الأرض بدون الغطاء الجوي الروسي، ولا روسيا قادرة على تثبيت الأرض تحت سلطة بشار الأسد، بدون القوات البرية الإيرانية، ولا يمكن أن تستمر دولة في سورية دون الأخرى إلا بحل سياسي، وأن تضع الحرب أوزارها، وغير ذلك ضربٌ من المستحيل، فاستمرارهما في سورية مرتهن باستمرارية الحرب، فالميليشيات الإيرانية هي من تحمي القاعدة الروسية (حميميم) بريف اللاذقية، حيث تتمركز تلك الميليشيات في بلدة (بيت جناورو) بريف اللاذقية الشمالي، لصد أي هجوم بري على القاعدة.
ولكن بعد استعادة معظم الأراضي السورية، لسلطة نظام الأسد، بدأ يطفو على السطح شيء من التباين ، يختلف بصورته عن صورة تعاطي الحلفاء، لتضارب مصالحهما ، بعدما كانت متقاطعةً تلك المصالح، وبدأت تدور في سورية حرب باردة بين الروس والإيرانيين، يتخللها القليل من التسخين، كاغتيال قائد هنا ومقتل آخر هناك من الميليشيات الإيرانية، وترد إيران بهجوم مُسيّرة على (حميميم) وهكذا، فيما هي تسابق الزمن من أجل إنشاء حكومة خفيَّة تقود من الخلف المؤسسات العسكرية والأمنية، كما أنها تمتلك القوة على الأرض من خلال تحكمها بالجيش الوطني (قطعان الشبيحة) من السوريين، الذي نشأ وترعرع على عينها، وكذلك الميليشيات الشيعية مثل (حزب الله اللبناني، وحزب الله العراقي، وحركة النجاء، وفاطميون، وزينبيون) مع استقطاب الشباب من الطائفة العلوية (الإغراءات المالية) وتمنع انضمامهم لجيش النظام، مما يُضعف السلطة المركزية للنظام في دمشق، وتريد فرض الحل عسكريًا، وإعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل 2011.
وأمام كل هذا، فإن الروس يريدون فرض وقف إطلاق النار، وإيجاد حل سياسي يضمن لها مصالحها الاقتصادية ومركزها السياسي في سورية، وقد قال مدير البحوث في المركز الفرنسي للبحث الاستخباراتي (آلان رودييه) ونشره الموقع الإستراتيجي: “إن الخلاف الذي استمر بين روسيا وإيران في سورية، بدأ يتخذ أهمية أكبر بشكل خاص في محافظة دير الزور، حيث منعت روسيا الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني من دخول مدينة دير الزور، عندما سيطرت عليها قوات الأسد مدعومة من روسيا في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 ، انتقامًا منها لمقتل اللواء (عصام زهر الدين) الذي قُتل بانفجار لغم أرضي في 18 اكتوبر / تشرين الأول عام 2017، وهو ما أشعل فتيل الخلاف بينهما، فموسكو عدَّت اللواء (زهر الدين) تعرض لمحاولة اغتيال بأوامر من إيران؛ لأنه أصبح يتمتع بشعبية هائلة ليس فقط بين الناس وإنما أيضا لدى بشار الأسد، الذي حاز لقب أسد الدير.”
وأشار الكاتب إلى أنه لو كان هذا اللواء من الطائفة العلوية لما وصل الوضع إلى هذا الحد من الخطورة، وكونه من الطائفة الدرزية، عزز مخاوف لدى طهران، من اكتسابه نفوذًا كبيرًا في القيادة السورية خصوصًا أنه مدعوما من روسيا، وتمكَّن ذلك الخلاف أكثر ويظهر آثاره على الأرض، بعد عدة أيام من اجتماع مستشاري الأمن القومي الأمريكي والروسي والإسرائيلي في تل أبيب حزيران/ يونيو 2019، على الرغم من دفاع مستشار الأمن القومي الروسي (نيكولاي باتروشيف) عن إيران، بقوة في تلك القمة، رافضًا شيطنة إيران، ورافضًا الهجمات الإسرائيلية عليها في سورية، واصفًا الهجمات أنها “غير مرحب بها” .
ولكن تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي (سيرغي ريبابكوف) بأن إيران ليست حليفة لموسكو، وأن بلاده لا تستخف بأي طريقة بأهمية التدابير التي من شأنها ضمان الأمن القومي لإسرائيل، وهي من أهم أولويات روسيا.
وصلت الرسالة إلى إيران، وأدركت بأن ما يجمعها مع روسيا في سورية، ما هو إلا ائتلاف فرضته الظروف الخارجية، تطوّر ليكون تعاونًا إستراتيجيًا بالإكراه، ليُصبح أمرًا واقعًا.
وتطور التباين الروسي الإيراني إلى خلاف، عبَّر كلٌّ منهما عن هذا الخلاف بالتزاحم ليظهر في أولى مراحله بتعيين القادة على مستوى الجيش والقوى الأمنية، ومحاولة كل منهما جذب بشار الأسد إلى صفُها، فقامت روسيا باستدعائه إلى سوتشي في أيار/ مايو 2018 وشحنه بطائرة شحن من مطار حميميم، ولم يحظَ بلقاء الرؤساء، حتى لم يظهر خلفه العلم السوري أثناء الاجتماع.
وردت إيران استدعائه إلى طهران بزيارة سرية تحدثت عنها وسائل الإعلام الإيرانية في 25 شباط/ فبراير 2019، والتقطت له صورة الخامنئي.
ومن أهم نقاط الخلاف:
1- مشروع سكة الحديد الواصل بين إيران وسورية، عبر العراق والذي يمر من دير الزور.
2- استلام إيران لمرفأ اللاذقية، وهو المرفأ الذي سيكون المحطة الأخيرة في مسار تلك السكة الحديدية، حيث سيصل ميناء (الإمام الخميني) في إيران مرورًا (بشلمجة) على الحدود العراقية ومدينة البصرة العراقية، وصولاً إلى ميناء اللاذقية.
ولكن هذا الوجود الإيراني مقلق لروسيا التي تعدُّ نفسها القوة العظمى على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهذا ما يضمنه لها مرفأ طرطوس الذي استأجرته لمدة 49 سنة.
3- إن إيران أعدّت 15 ألف مقاتل من قواتها العسكرية لتندمج مع القوات المسلحة التابعة لنظام الأسد، وتذوب فيه، وهذا خطر جديد على روسيا، يعني أن وجود إيران في سورية غير محدود، وهذا ينافي الاتفاق الروسي الإسرائيلي حول الوجود الإيراني في سورية،
4- إن إيران ترى في بقاء بشار الأسد، هدفًا أساسيًا واستراتيجيًا (خط أحمر).
بينما موسكو لا تراه كذلك، وتعدُّه وسيلة تخدم مصالحها، كما ترى أن الأهمية الكبرى لبقاء الدولة السورية ومؤسساتها الشرعية، وهذا أهم من بقاء بشار الأسد.
5 – إيران دائما كانت غير راضية عن كل الاتفاقيات التي توصلت إليها روسيا سواء مع تركيا او الولايات المتحدة الأمريكية ، خصوصًا اتفاقية وقف الأعمال العدائية، التي أبرمتها موسكو مع واشنطن في شباط/ فبراير 2016 ، وصولاً إلى اتفاقيات خفض التصعيد الناجمة عن مفاوضات آستانة، وهذا ما أعلن عنه المندوب الإيراني إلى آستانة، وفي آستانة ” 6 ” عام 2017 قال المندوب الإيراني: ” لن يتم اتفاق إدلب وستعمل إيران على تخريبه” وقد أبرّت إيران بِقَسَمِ مندوبها وعطلت الاتفاق.
6- إفشال روسيا خطة إيرانية في إنشاء قاعدة جوية في منطقة القلمون بريف دمشق، وأخرى بحرية في بانياس، وتكون القاعدتان تحت إدارة وإشراف إيران، على غرار قاعدتي طرطوس وحميميم، اللتين تستخدمهما روسيا، ولكن روسيا رفضت ذلك بحجة الرفض العالمي لإيجاد موطئ قدم للإيرانيين في البحر المتوسط، هذا وفق تسريب قيادي أمني سوري رفيع المستوى، نقله المرصد الإستراتيجي.
ورغم تباين المصالح، إلا أنهما مازالا في مرحلة التنسيق، فطبيعة العلاقة بينهما غير مستقرة، ضمن الإطار الذي تحدده علاقات الشركاء أو الحلفاء، وقد تأخذ هذه العلاقة شكل التعاون حينًا والتزاحم حينًا آخر، وقد وصل ذلك التزاحم إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة بين القوات العسكرية للبلدين على الأرض السورية، كما حصل في محيط مطار حلب الدولي وحي الخالدية بحلب، وكانت هناك خسائر بشرية كبيرة من الطرفين، وحصل ذلك في دير الزور، وحدثت مواجهات غير مباشرة (بالوكالة ) كما حصل في سهل الغاب وكانت معارك عنيفة بين الفرقة الرابعة، ذات المرجعية الإيرانية، بقيادة ماهر الأسد، والفرقة الخامسة والعشرين المدعومة من روسيا ، بقيادة العميد (سهيل الحسن)، ويعاني الجانبان مع بعضهما ومن بعضهما، من عدة مشاكل قد لا تكون جوهرية، وقد لاتصل إلى حد الخلاف المواجهة العسكرية المباشرة، التي تتجلى في النظرة الروسية إلى المصالح الأمنية الإسرائيلية، التي تتعارض مع التغلغل الإيراني في سورية، و في حين يسعى الروس إلى إحداث نوع من التغيير السياسي في طبيعة النظام وتركيبته الأمنية والعسكرية، نجد إيران في المقابل تسعى إلى التوغل أكثر في عمق التركيبة السكانية السورية، وتحاول الآن روسيا إخراج بشار الأسد من السلطة من خلال عملية شرعية لتغطي تدخلها العسكري في سورية، وتجعل من وجودها شرعيًا، للحفاظ على كافة الاتفاقيات التي وقعت من قبل النظام السوري ، ودون قراءته لما ورد فيها، ترى إيران إن استمرار الحرب وبقاء بشار الأسد على رأس السلطة يعطيها فرصة أطول لتتمدد أكثر، ضمن نسيج المجتمع السوري ، والعمل على تغيير مفاهيمه من خلال الفقر والجوع، ليبقى بشار الأسد مُعلقًا بين الرغبات الروسية والنزوات الإيرانية، فإرضاء الأول يعني سخط الثاني، ويكون حاله كحال من استجلب رعاع العالم إلى بيته لقتل أطفاله، في سبيل الجلوس على كرسي الحكم.