بقلم أ. أنس إبراهيم
أثارت مسابقة علمية ضجّة كبرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك، وشدّت اهتمام كثير من التربويين والمعلمين في الأوساط التعليمية ضمن مناطقنا المحررة، هذه المسابقة حملت عنوان (زدني علماً).
وقد تمّ إنشاء هذه الفكرة من خلال التنسيق المتبادل بين أربع مؤسساتٍ تعليمية فاعلة على الأرض وهي (قبس، أفق، تكافل الشام، ارتقاء)؛ هذه المؤسسات كان لها دورٌ فعّال في بناء جيلٍ جديدٍ، ولاسيّما جيل الثورة السورية الذي نشأ في ظلّ الحرب الدامية على المجتمع السوري.
حيث كانت ومازالت هذه المؤسسات تسعى لتحقيق مبدأ الروح الجماعية من خلال التشارك والتعاون فيما بينها عبر اجتماعات دورية نصف شهرية. تناولت فيها مختلف المسائل التي تخصّ الوضع التعليمي العام، وأهمية أكاديمية التوجيه التربوي، وضرورة توحيد أوراق العمل التربوية والتعليمية على حدّ سواء.
وكان وليد هذه الاجتماعات، والمحاور التي تُطرح فيها، استحداث مشاريع مشتركة بين المؤسسات الأربع، بحيث تلبّي الحاجة الملحّة لإبداع أنشطة علمية تحفيزية للطلاب تتغلب على مشاعرهم التي تنهكها حالة الحرب باستمرار، وذلك لدفعهم إلى الإقبال على العلم، وعدم التسرّب من المدارس، وتشجيعهم من خلال زرع روح المنافسة فيما بينهم، وتهيئة جوّ مناسب يتوفّر فيه عوامل التفوّق والإبداع في ظلّ الهجمة الروسية الشرسة على مدينة حلب، حيث كانت باكورة هذه الأعمال مسابقة (زدني علماً) التميّز العلمي السوري.
إذ وضعت خطة العمل للمسابقة لتكون على ثلاث مراحل متتالية، هذه المراحل تتدرّج تصاعدياً من المستوى الأول إلى المستوى الثاني فالثالث، وهو ختام المسابقة النهائي؛ حيث ستوزّع جوائز قيّمة للفائزين الأوائل فيها.
كما حدّدت تلك الخطة الفئات العمرية المشاركة فيها بثلاث فئات: الفئة الأولى الصف الخامس والسادس الابتدائي، الفئة الثانية الصف السابع والثامن الإعدادي، الفئة الثالثة الصف العاشر والصف الحادي عشر الثانوي
وبناءً على ذلك فقد بلغ عدد المدارس المشاركة في المسابقة ثمان عشرة مدرسة موزّعة على مختلف المناطق، وقد تفرّع مضمون هذه المسابقة إلى قسمين: قسم أدبي وقسم علمي.
القسم الأدبي: ومضمونه السيرة النبوية، حيث تمّ تحديد المقرر للمستوى الأول باختيار مئة سؤال من السيرة للفئات الثلاث، ليصل عدد المتقدمين لهذا المستوى إلى 631 طالبٍ وطالبةٍ من كافة المدارس المشاركة، وبتاريخ 20 / 2 / 2016 م أجري اختبار المستوى الأول حيث لم يترشح منه للمستوى الثاني سوى 178 طالبٍ وطالب أي بنسبة 28%.
أمَّا في المستوى الثاني فقد تقرر لكلّ فئةٍ عمرية مقرراً خاصّاً بها، وقد تمّ شرح هذه المقررات في عشر محاضرات خاصة ضمن عروض فيديوهات وإسقاطات بوربوينت واستخدام وسائل تعليمية تطبيقية لتدريبهم على البحث الذاتي في المستوى الثالث.
القسم العلمي: ويضم موادّ الرياضيات والعلوم العامة كالفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء ، حيث تقدّم للمستوى الأول نحو 647 طالبٍ وطالبةٍ ، وقبل أن يتمّ اختبارهم في هذا المستوى تمّت تجربة الاختبار على مدارس من خارج المسابقة ؛ للتأكّد من جودة معايير الأسئلة الموضوعة للاختبار، لتحقيق الغرض منها وهو قياس مهارات عديدة ، منها مهارات التفكير العليا ، وبعض الأسئلة كانت لقياس مهارات الذكاء، وبعد ذلك أجريَ الاختبار الفعلي بتاريخ 21 / 2 / 2016 م ثم صُحّحت أوراق الاختبار بطريقة شبه آلية من خلال نماذج مفرّغة، وتمّت دراسة النتائج إحصائياً للوقوف على مستوى الطلبة والاختبار ليصل عدد المترشحين من الذين اجتازوه للمستوى الذي يليه إلى 71 طالبٍ وطالبةٍ .
أمّا في المستوى الثاني فقد اتسمت جميع المواد المقررة فيها بالتطبيقات العملية، حيث أعدّتْ خطة تعليمية لمجموعة من البرامج التطبيقية ليخضع لها كل المتأهّلين لهذا المستوى كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، بالإضافة إلى الإسعافات الأولية ومبادئ التمريض، كما وضع برنامجاً تطبيقياً لتعليم برنامج الإكسل واستخدام الحاسوب.
والشيء اللافت للانتباه أنه تمّ عقد شراكة بالتعاون مع معهد عمر بن عبد العزيز للتمريض ليقدّم فيه عدّة محاضرات وتطبيقات عملية وتجريبية في أنواع الحروق والكسور وكذلك أنواع التسمّمات، والتغذية، والعادات الصحيّة والحوادث المنزلية، والتغيّرات الفيزيولوجية عند الإنسان.
تعتبر هذه الخطوة هي الأولى من نوعها في مناطق حلب المحررة على الصعيد التعليمي، إذ استطاعت أن تغيّر من شكل البيئة التعليمية لدى مفهوم التلميذ، وتنقله من حالة الركود الفكري إلى حالة البحث الذاتي والاستنتاجي للمعلومة.
إنّ عملية نقل الطلبة من مدارسهم وأخذهم إلى قاعة المحاضرات وإلى مخابر تطبيقية يذكرنا بالنموذج الياباني ونتائجه التي لا تخفى علينا، فحبذا لو كان هناك تجارب مماثلة في اللغة العربية وغيرها من المواد الدراسية، تعمل عليها مديرية التربية والتعليم، وتقوم على خلق فرص للإبداع في كافة المجالات من خلال فتح باب المبادرات والدعم المؤسساتي الكامل لها.