عبد الحميد حاج محمد |
أصدرت المحكمة العسكرية التابعة للجيش الوطني حكماً يقضي بالسجن لمدة ثلاثة أشهر على الناشط الإعلامي “محمود الدمشقي”، بسبب منشور على صفحته على فيسبوك، انتقد فيه الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني.
وقد نشر الناشط محمود عبر صفحته قرار القاضي العسكري في مدينة جنديرس شمال حلب بجرم تحقير الجيش، وذلك بسبب مانشره محمود الدمشقي لصورة لعناصر فرع الشرطة العسكرية أثناء التدريب وهم يرتدون قميصاً أبيض مطبوع عليه علم الدولة التركية.
وجاء في منشور الدمشقي “لا شك أن تركيا لا يشرفها وضع علمها على صدور المنافقين لو كنتم كالأتراك تعتزون ببلدكم وثورتكم لأصبحتم نداً لهم وليس مجرد عبيد عندهم”، وفق ما ورد في قرار المحكمة.
وجاء في وثيقة المحكمة أن لديها أدلة تمثلت باعتراف الدمشقي بما نسب له ومنها صور تعليقات على منشوره، ونوهت المحكمة أن الدمشقي اعتبر منشوره من باب النقد الإيجابي وليس السلبي، في إشارة منه إلى أنه كان ينبغي أن يكون علم الثورة السورية إلى جانب العلم التركي، وأن منشوره كان من باب الغيرة على الثورة.
وقد تعهد الناشط بعدم تكرار ذلك، وأن تكون منشوراته واضحة وصريحة لكي لا يفهم منها الجانب السلبي فقط.
وكما تضمنت وثيقة المحكمة الصادرة شهادة رئيس المكتب القانوني للمجلس المحلي بحي الميدان الدمشقي “محمد تركماني”، الذي قال إن محمود من رجالات الثورة السورية ويعمل بالجانب الإعلامي والإنساني وعنده غيرة وحب للثورة وجميع الثوار وأنه قد أكد له أنه لا يقصد الإساءة أو تحقير الجيش الوطني.
وخفضت المحكمة عقوبة الدمشقي من السجن ثلاثة أشهر إلى خمسة عشر يوماً مع اقتطاع مدة توقيفه السابقة من 27 أيار٥ إلى 21 أيار، وأضافت المحكمة أنه من الممكن استبدال مدة العقوبة المتبقية بغرامة مالية قدرها 300 ليرة تركية وإضافة إلى 100 ليرة تركية يدفعها الدمشقي.
و في التعليق على هذه النوعية من الأحكام فقد نشر المحامي “عبدو عبد الغفور” رأياً قانونياً بهذا الخصوص رصدته صحيفة حبر وجاء فيه: يبحث في التعليق على بعض الأحكام الجزائية الصادرة بحق الناشرين على صفحات الفيسبوك : “كثرت في الآونة الأخيرة و تحت ذرائع شتى ظاهرة إحالة بعض الناشطين إلى القضاء لمحاكمتهم عن منشور نشروه ، ينال من جهة معينة أو شخص بذاته ، و للوقوف على هذه الظاهرة لا بدَّ من توضيح عدة نقاط من نواحٍ ثورية محضة، و أخرى قانونية بحتة”.
وأضاف عبد الغفور في منشوره: “فالنواحي الثورية تقتضي ألا يكون القضاء طرفاً في تكميم الأفواه، حتى لو بلغ الانتقاد حداً لا يُطاق ، فمن ارتضى أن يشغل موقعاً متقدماً في الشأن العام عليه أن يضع رقبته تحت نصال الألسنة، و ليس بالضرورة أن يكون الناقد ذي أجندة معينة.
وتابع المحامي بوصفه الثورات بأنها انقلاب على السكوت والخرس، و لكن هذا الأمر لا يعطي كامل الحق طبعاً للتطاول على أعراض الناس و جعلها أهزوجةً نغنيها ليل نهار.
مشيراً إلى أنه من غير المقبول أن يصبح المنشور الفيسبوكي سبباً يعرّض كاتبه للملاحقة الجزائية ، و على هذا الأساس يجب علينا أن ننوه دائماً أن الركن المعنوي غالباً ما يكون غير واضح في الجرائم الإلكترونية، فلا يمكن تحديد القصد الجرمي بدقة متناهية كون الألفاظ و الكلمات قد تحتمل عدة معانٍ أو مدلولات.
فلا قيام للجريمة بغير ركن معنوي، و تفسير ذلك أن هذا الركن هو الذي يعبّر عن الإثم الذي جالَ فى نفس الجاني ، و حين تتجرّد النفس من هذا الإثم فلا توجد جريمة ، و لذلك قال فلاسفة القانون بأن “ الفعل لا يكون آثماً إلا إذا كانت النفس آثمة”
وأضاف أن أهمية الركن المعنوي مستمدة من كونه وسيلة القانون كي يطبّق على الأفراد، و هو بذلك وسيلته فى تحديد الشخص الجدير بالمسؤولية الجدير تبعاً لذلك أن ينزل به العقاب و تتحقق فيه أغراضه الاجتماعية.
و هناك صلة بين إثم الجاني و العقوبة التى يقررها المشرِّع للجريمة: “فالمعيار الذى يقيس به المشرع قدر العقوبة ونوعها هو “إثم الجاني” المصاحب للفعل، فهذا الإثم يشكل “قاعدة عليا للتقدير” و يجب على المشرّع الأخذ بها بعين الاعتبار حال تقديره للعقوبة.
وختم عبد الغفور بأن هذه القاعدة تعني أن قدر و حدود العقوبة و اتصافها بالعدالة ، يرتبط على نحو لازم مع درجة إثم الجاني فقط.
وقد أثار الحكم على الدمشقي بالسجن لمدة ثلاثة أشهر استياء الناشطين واعتبروا الحكم جائرًا بحقه، كما أثارت قضية اعتقاله سابقا استياءً كبيرا بسبب تعرضه للضرب والإهانة من قوات بالشرطة العسكرية أثناء اعتقاله.