“كل نفس ذائقة الموت إلا أن الحياة لا تتذوقها كل الأنفس” من عند هذه المقولة لجلال الدين الرومي قد تتغير نظرتنا إلى الحياة التي نعيشها بصخبها وترفها وشقائها وأتراحها، فكل شخص منا يريد أن يعيش حياته بفرح وسعادة وإنجاز، لكن عصر السرعة والمفاجآت دائماً ما يشوه مصطلحات ذواتنا ومفاهيمنا للحياة ويضعنا بحالة الصدمة بين قناعاتنا ونظرتنا للحياة وبين واقعنا وفرائضه (اللقيطة).
كلنا ننشد الفرح بإصرار لأننا لا نعرفه إلا كعابر سبيل في حياتنا يمتزج بأرواحنا للحظات ومن ثم يعود ليفارقها، غير أن لهذه النسمات قوة تهزنا تعيد لأجسادنا وأنفسنا الحيوية، بل هو إحدى الطرق التي نتيقن من خلالها حقيقة وجودنا ونتذوق عبرها هذا الوجود.
لكن ما يعكر صفو هذا الفرح الخلط بين اللذة والسعادة أو الفرح، فمشكلة اللذة الأبدية أنها لا تدوم، ومن الصعب في واقع الأمر الشعور بالرضا والإشباع (السعادة المفترضة) بشكل دائم إن ارتبط ذلك فقط بالسعي وراء اللذة.
لذلك علينا أن نبحث عن سعادة تتجاوز الطبيعة الزائلة والمتباينة للذة. إننا نحتاج إلى شعور أكثر ديمومة وشمولاً وقد أجاب الفلاسفة عن ذلك بضرورة العثور على اسباب جديدة نابعة من ذواتنا وليس من المؤثرات الخارجية، وقد وصفت هذه العملية (بالحكمة) وهي من أعلى درجات السعادة.
ومعنى أن تكون حكيماً هو قبولك للحياة كما هي و ألا ترغب في تحويل العالم كله وبأي ثمن نحو تلبية رغباتك، أي أن نتلذذ بما نملكه، بما هو موجود بين يدينا من دون أن نهدر ما نملكه في تمني ما هو أكثر أو في البحث عن شيء آخر، وقد لخّص مبدأ الحكمة هذا في كلمة واحدة و هي “الاستقلالية” أي الحرية الداخلية التي لا تجعل سعادتنا أو شقائنا يتوقفان على الظروف الخارجية، هذه الاستقلالية تعلمنا أن نرضى عن كل ما سيجري السار منه و غير السار، والحكيم هنا من يتفهم الحالتين، فالسعادة التي هي في الغالب حالة يراد لها أن تكون عامة وتستمر لوقت أطول هي تلك الموجودة في داخلنا، وهذه الفكرة تجسدها قصة من التراث الصوفي عندما كان رجل عجوز يجلس على مدخل المدينة و اقترب منه رجل غريب يسأله حال سكان المدينة فأجابه العجوز و كيف حال أهل المدينة التي أتيت منها؟ فأجابه الرجل بأنهم أشرار وأنانيون، ورد عليه العجوز بأن أهل هذه المدينة هم كذلك، وبعد مدة من الزمن اقترب رجل آخر من العجوز وسأله حال أهل هذه المدينة فقال له العجوز: وكيف حال من أتيت من عندهم؟ فرد الرجل بأنهم طيبون وودودون، فقال له العجوز: هم كذلك هنا، فقال له بائع جمال بجواره: كيف أجبت الغريبين بتناقض عن سؤال واحد؟! فقال له العجوز: “لأن كلا منهما يحمل عالمه في قلبه “
إن نظرتنا لما هو حولنا ليست حقيقة وإنما هو تصورنا الذي كوناه في أنفسنا عن شيء ما، فالسعادة في القلب وليست بالمكان والماديات والأشياء، إنها فن إقناع نفسنا بالرضا.