غسان الجمعة |
مئات القتلى وآلاف الجرحى ارتقوا عشية التفجير الذي ضرب (مرفأ بيروت) وقد فتح باب الاتهامات على مصراعيه في إطار التناحر بين الفرقاء اللبنانيين، وبين اللاعبين الإقليمين حيث تخندق كل محور خلف أجنداته، وقدم اتهامه المسيس إما عبر قنواته الإعلامية أو أبواقه غير الرسمية.
وقبل كل هذا علينا أن نحدد قبل الدخول في إطار التكهنات، ماهي الثوابت والمسلمات في عملية التفجير وما قبلها من وقائع التي على رأسها الجهة التي تقع تحت مسؤوليتها إدارة (المرفأ) وحفظ الأمن فيه، وهو ما بات واضحًا اليوم من عدد كبير من المصادر الداخلية اللبنانية بأن حزب الله هو من يدير المرفأ، بل ويسيطر على كل موانئ لبنان البرية والبحرية والجوية، وقد غدت خلاياه الأمنية دولة داخل دولة.
إن شحنة الأمونيوم المحتجزة باسم الدولة اللبنانية هي بيد حزب الله وتحت إشرافه ورقابته منذ سنوات، وكل ذلك ثابت بسياسة الأمر الواقع التي فرضها الحزب على اللبنانيين منذ اغتيال (رفيق الحريري).
أما المجهول في معادلة الانفجار هو من أقدم على فعل ذلك، وماهي الرسالة التي أرادت هذه الجهة إيصالها، وحتى لا ندخل في شبهة التحديد يمكننا حصر الأمر بين تيارين هما أسّ الصراع في أي منطقة إقليمية، الأول هو ما يسمى محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران ويتذيله نظام الأسد، والآخر هو السياسة الأمريكية في المنطقة، التي ترسمها تل أبيب وتساهم الدول الغربية في تنفيذها.
المحور الإيراني بات محاصرًا بشكل كبير في عواصمه، وأصبحت أنظمته مثقلة بالعقوبات الاقتصادية والعقم والفساد السياسي في منظومتها الممانعة، وكان آخرها موجات الانهيار التي ضربت الليرة اللبنانية والسورية بالتوازي، وما أعقبه من تداعيات نتيجة فرض قانون قيصر على النظام السوري والمتعاملين معه، أي أن لبنان المحكوم جغرافيًا بعلاقة قسرية مع نظام الأسد هو عمليًا مشمول بالعقوبات، بل إن حزب الله الذي يتسلط على القرار اللبناني هو من أشد المساندين للأسد، وبات وضعه الداخلي شبه مكشوف للحراك المدني.
فلذلك قد يكون حزب الله هو من افتعل هذه التفجيرات بقصد لخلط الأوراق داخليًا وخارجيًا، ولإعادة ترتيب الأوليات على الساحة اللبنانية بخلق أزمة جديدة.
كما أن النظام السوري الممانع قد يكون هو من ارتكب هذه الجريمة بمعزل عن إرادة شركائه المقاومين، وله بالساحة اللبنانية سوابق كثيرة من اغتيالات وغيرها، وخصوصًا أن توقيت الانفجار وقع بالتزامن مع قرب الإعلان عن حكم محكمة العدل الدولية بقضية اغتيال (رفيق الحريري)، وهي جريمة مشتركة بين النظام السوري وحزب الله، ورسالتهم هي إحداث فوضى تجعل من نتائج المحكمة أمرًا لا متسع للحديث فيه داخليًا وخارجيًا.
أما الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، فهما في دائرة الشك الأوسع لاستخدامها المتكرر للبنان كصندوق بريد لتمرير رسائل إقليمية ودولية، ولفتح معارك سياسية جديدة.
فالولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي يريدان إعادة القرار اللبناني إلى طبيعته المحايدة على الأقل بعيدًا عن المحور الإيراني، كما أن الولايات المتحدة تريد إغلاق النافذة التي يفلت منها كل من الأسد وطهران اقتصاديًا، واستهداف الميناء لا يستبعد أن يكون عملاً عسكريًا إسرائيليًا أو أمريكيًا، وقد تكون المسألة تتجاوز فكرة وجود شحنة أمونيوم فقط إلى وجود شحنات أسلحة لا تريد الولايات المتحدة أن يستلمها حزب الله.
بين هذين الاحتمالين يبقى هناك مؤكد لا يقبل الشك، هو مسؤولية حزب الله الإدارية والأمنية عن المرفأ، وما نكره (حسن نصر الله) في خطابه أمس لا يختلف كثيرًا عن محاولة شخص ما الاختباء خلف أصبعه.