لا أدري كيف ولدت الفكرة على لساني فجأة وأنا أمازح صديقين عزيزين على قلبي كنت قد عرَّفت أحدهما على الآخر، وطلبت مقابل ذلك مبلغًا من المال من كليهما، على غرار ما يفعله سمسار العقارات حين يجمع بين البائع والمشتري وتتم صفقة البيع أو الإيجار بنجاح. هل تبدو الفكرة مقنعة وظريفة؟!
ربما هي مربحة أن تجمع بين شخصين بعيدين لا يعرف أحدهما الآخر، فيوفق الله بينهما ويعلو نجميهما في سماء الصداقة أو التجارة أو الموهبة المشتركة، ويكفي على كل حال أن تربطهما المودة والأهداف البعيدة أو القريبة.
وفي حال كانا من جنسين مختلفين فلربما جمعهما رابط الزواج، وهنا قد يصيبك من بركات حبهما ودعائهما لك في حال الوفاق، ما قد يصيبك من لعناتهما لك في حال النزاع والشقاق.
وعلى كل حال فقد حدث في أحد الأيام، قبل ما يزيد عن عشرة أعوام، أن كنت سببًا في لقاء صديق من أعز أصدقائي، بفتاة مهذبة من عائلة كريمة، فكان اللقاء الذي جاء بتقدير الله بداية طيبة لزواج ناجح مازال يفيض حبًّا وعطاء حتى الآن، وقد أثمر عن طفلين رائعين هما نعيم ومقيم.
وعلى صعيد العلاقات بين أصدقائي الشباب فقد كنت بفضل الله، بمنزلة الحبل الممدود الذي وصل زيدًا بعُبيد، وأحمد بمحمود وأسعد بمسعود، وما ذلك إلا بفضل ما أكرمني الله به من محبة الناس لي، وسرعة ارتياحهم لطبعي الذي كان ومازال مرحًا ودودًا عفويًّا صادقًا.
فكان ذلك رزقي المعنوي الواسع الذي زاد كثيرًا على رزقي المادي الضيق، هذا ما أخبرتني به أمي يومًا ما، لتشدَّ من عزمي في محبة من حولي وتذكرني دائمًا بالوفاء للأصحاب، والسؤال عنهم والدعاء لهم بظهر الغيب، وكم يشق عليَّ قولها لي دائمًا:
“إن الله يسأل عن صحبة ساعة” لا أعرف إذا كان القول حديثًا نبويًّا، أو قولاً مأثورًا، لكن ما أعرفه ولا أنساه ما رواه لي صديقي (أبو نزار) عن محبة صديق له وأخ في الله يدعى أبو النصر، قال لي بالحرف الواحد: “يوم خرجت من المعتقل، فاجأتني أمي بدموعها التي لم تتوقف لساعة كاملة، لكن دهشتي الأكبر كانت في بكاء وشهقات صديقي أبو النصر حين سمع صوتي عبر الهاتف الأرضي.
لم أكن أعلم مدى حبه لي إلا في تلك الساعة، وزاد تعلقي به حين أخبرني أنه كان يقوم الليل باكيًا على مدى شهور متتالية ويدعو الله أن يفك قيدي.”
ما أرويه لكم ليس حكاية خيالية كالعنقاء، إنما هي محبة لله صادقة، وقد امتزجت بوحدة الهدف والطريق.
يتميز بعض الناس بموهبة عجيبة على التواصل مع من حولهم، ولهم حظ كبير في القبول والتأثير، فسرعان ما نألفهم ونشتاق لحضورهم، فإذا كنت واحدًا من هؤلاء ولديك شبكة واسعة في علاقاتك الاجتماعية، فلماذا لا تسعى للوصل بين الناس وتعمل سمسارًا في العلاقات الإنسانية؟!
تجمع بين أفكارًا وأرواحًا متآلفة لكنها بعيدة، فينتج عن ذلك اللقاء مصلحة في عمل، أو زيادة في إنتاج، أو إكمال نقص، أو تفاعل وحب يحتاجه كل البشر في زمن عزَّ فيه الحب لوجه الله والإخلاص في رضاه.
يروي التاريخ لنا قصصًا ملهمة وإبداعًا في شتى المجالات كان وليد لقاءٍ بين طرفين بعيدين، فالناس عمومًا يقومون بهذا الدور بشكل عفوي، لكن قلة من يحملون على عاتقهم مهمة الجمع بين أصحاب المصالح والأهداف المشتركة، فيكون لهم بذلك جزء كبير من الأجر في الدنيا والآخرة، فالدال على الخير كفاعله.