إعداد : الصاحب الحلبي(ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال53.في هذا التعبير القرآني العجيب؛ جوانب توضّح سنّة الله في التغيير. إنه من جانب، يقرر عدل الله في معاملة العباد؛ فلا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم، ويبدلوا سلوكهم، ويقلبوا أوضاعهم، ويستحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها…ومن الجانب الآخر يكرم هذا المخلوق الإنساني أكبر تكريم، حين يجعل قدر الله به ينفذ ويجري عن طريق حركة هذا الإنسان وعمله؛ ويجعل التغيير القدري في حياة الناس مبنياً على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم، وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم…ومن الجانب الثالث يلقي تبعة عظيمة -تقابل التكريم العظيم- على هذا الكائن. فهو يملك أن يستبقي نعمة الله عليه ويملك أن يزاد عليها، إذا هو عرف فشكر؛ كما يملك أن يزيل هذه النعمة عنه إذا هو أنكر وبطر، وانحرفت نواياه فانحرفت خطاه.وهذه الحقيقة الكبيرة تمثل جانباً من جوانب « التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان »؛ وعلاقة قدر الله به في هذا الوجود؛ وعلاقته هو بهذا الكون وما يجري فيه.. ومن هذا الجانب يتبين تقدير هذا الكائن في ميزان الله؛ وتكريمه بهذا التقدير؛ كما تتبين فاعلية الإنسان في مصير نفسه وفي مصير الأحداث من حوله؛ فيبدو عنصراً إيجابياً في صياغة هذا المصير -بإذن الله وقدره الذي يجري من خلال حركته وعمله ونيته وسلوكه- وتنتفي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه المذاهب المادية، التي تصوره عنصراً سلبياً إزاء الحتميات الجبارة.