غسان الجمعة |
لم يكن دور الكومبارس الإيراني في قمة طهران إلى جانب الأتراك والروس في السابع من سبتمبر الماضي حول مصير إدلب خياراً دبلوماسياً أو حنكة سياسية، بل هو انعكاس لقوة النفوذ التركي المستمر في شمال سورية وثمن للمواقف الروسية تجاه ما يخص ملفي العقوبات الاقتصادية والملف النووي.
غير أن هذا الصمت المشترى لم يعد يجد مسوغاته لدى الإيرانيين بعد فرض العقوبات الأمريكية و تقاسم كل من روسيا والسعودية الغنيمة الإيرانية المتمثلة بحصتها النفطية في السوق العالمية، وهو ما حصلت عليه تركيا أيضاً من خلال إعادة فتح خط جيهان النفطي القادم من كركوك لتعثر تصديره من الموانئ الإيرانية.
التعرية الاقتصادية التي تلقتها إيران من الدول الإقليمية اعتبرتها طعنة بالظهر، وباتت تدفعها للبحث عن ورقة ضغط جديدة تعيدها إلى المشهد الإقليمي، وهو ما وجدته في إدلب التي تحاول الاستثمار فيها على الطريقة الروسية، حيث نجحت روسيا بتحقيق نوع من الانفراج في ملفات عودة اللاجئين والضغط على الأوربيين للجلوس على طاولة الحوار السورية معها في إسطنبول على خلفية الاستجابة لتهدئة الوضع في إدلب.
القصف المستمر على قرى المنطقة الآمنة و عمليات التسلل على نقاط المعارضة من قبل الميليشيات الإيرانية كان مقدمة لجس النبض التركي والروسي طرفي الاتفاق، ورسالة جديدة بعدم تجاوزهما لمصالحها، في حين صرح قائد الحرس الثوري الإيراني مؤخراً أن بلاده سترسل ما أسماه (قوات حفظ سلام) بطلب من دمشق لمحيط إدلب و حلب وهو ما يعني تدخلاً مباشراً و رسمياً، ومن الممكن أن تحول طهران هذه القوات بأي لحظة إلى مصدر إزعاج و تهديد لاتفاق سوتشي سينتج عنه مالا تتمناه الأطراف المنخرطة بالساحة السورية على رأس ذلك مخاوف موجات النزوح و الوضع الإنساني.
السناريو الذي تسعى طهران لتحضيره عليه أن يمرَّ من قبة الكرملين قبل الوصول إلى إدلب، وهو ما بدأت موسكو تستجيب له بحدوده الدنيا من باب حساباتها الخاصة أيضاً، فقد صرح بوتين خلال زيارته لسنغافورة أن أوربا إن كانت لا ترغب بموجة نزوح جديدة عليها التخلص من الخوف ومساعدة الشعب السوري بغض النظر عن الانحياز السياسي.
ومن جهة أخرى تبقى مستويات الاستجابة الروسية لما تحاول طهران إثارته مقيدة بتشعبات مصالحها مع أنقرة، حيث نجحت الأخيرة بإقناع الروس بالقفز عن عقدة إدلب و التوجه نحو شرق الفرات، حيث تزداد فرص المصالح المشتركة بين الطرفين و تُخرج اللاعب الإيراني من معادلة النفوذ و التفاهمات إن لم يكن طمسها في المرحلة المقبلة.
يبقى استمرار اتفاق سوتشي رغم مساعي النظام والإيرانيين بنسفه رهن تنفيذ ما اتفق عليه بوتين وأردوغان حول شرق الفرات والعملية السياسية، وهو ما يعول عليه كلا الطرفين ويدفع بالموقف الروسي لمسك العصى من المنتصف، فيما تتحمل أنقرة عبء موازنة مصالحها مع كل الأطراف وترتيب أولوياتها بين شرق الفرات وغربه.