كضيف ثقيل على أرضٍ سوريةٍ جغرافياً روسيةٍ سيادياً استقبل الروسُ الأسدَ في حميميم…
وعلى نهر الدماء وبهيئة الخضوع الكامل والحلول الصفرية قرر الروس عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي…
كعادتها ترغب روسيا في إيصال رسائل ملحمية تاريخية لمن تعتقد أنهم ضحيةُ بعثِ جبروتِها الضائع.
عندما صرح الروس أنه لا مكان في سوتشي لمن لا يقبل بقاء الأسد حشروا تركيا في زاوية ضيقة، وحشروا معها رجالها من المعارضين السوريين …
كان التصريح الروسي فاضحاً لنواياها معطلاً لأهدافها من المؤتمر وهي إقصاء مسار جنيف، وتفتيت شرعيته، وخلق تجاذبات ضمن صفوف قوى الثورة، والسعي لإحداث شرخ جديد بينها يضاف إلى قائمة طويلة لا تكاد تنتهي…
السؤال الأهم هل فشلت روسيا حقاً في سوتشي؟
لنجيب على هذا السؤال يجب أن نتتبع السياسة الروسية في ملف الثورة السورية لنرى أنها كانت دائماً في موقع المعطل لأي قرار دولي يدين النظام، وكانت ستاراً أمام جرائمه ثم تضاعف هذا الدور ليصبح الضامنُ الروسي وتداً يثبت شراع النظام أمام رياح الضغط الدولي. المنعطف الأخير الذي كاد أن يهوي بالنظام هو مسار فيينا، لذلك سعت روسيا من خلال سوتشي لتفريغ جنيف من مضمونه، وحرف مسار المفاوضات العام، ورسم ملامح سورية الجديدة التي جلَّتها واضحة في شعار سوتشي وفي حجم التعبئة الفارغة للمؤيدين، حيث كان حشد النظام للمؤتمر من أكبر المهازل السياسية التي سجلها تاريخ الثورة في جبين النظام … كل هذه الشخصيات البالونية من ممثلين وأبواق زادت من انحدار النظام سياسياً وعرّته أمام السوريين في مناطقه والمؤيدين أيضاً.
أما عن وفد المعارضة الذي ذهب بصفته الشخصية بعد أن قررت الهيئة مقاطعة المؤتمر فقد كان حضوره أدواتياً، ولم يكن حضور فاعلين سياسيين، حيث إن اللاعب الأكبر كان تركيا التي ارتكبت وما تزال ترتكب المزيد من الأخطاء بحق سورية ثورةً وشعباً بتعويلها على الوعود الروسية المماطلة.
رغم فشل روسيا في تحقيق الهدف الأساسي من سوتشي وهو حصر مصير الملف السوري بالقرار الروسي المتأثر تركياً، إلا أنها استطاعت ولو جزئياً إثبات قدرتها على تحريك كافة أدواتها في سورية بما يخدم رؤيتها للحل السوري وإلزام حلفائها وأتباعها في المنطقة بهذه الرؤية.
روسيا التي استغلت الملف السوري لإعادة مجدها السوفيتي ما تزال تنهض بكل مقوماتها لتلعب دور القطب في النظام الدولي ابتداءً من تعطيلها قرارات مجلس الأمن بحق الفيتو مروراً بالتدخل العسكري السافر ووضع قدمها في سورية لمدة سبعين عام كفترة أولية وانتهاء بمؤتمر سوتشي الذي حاولت أن تجعله تاجاً لكل ما سبق، لكنه نُكِّس قبل أن يُرفع.