علي سندة |
أن يصل الأمر بالمدنيين إلى مطالبة فصائل أستانة بالإفصاح عن المناطق التي سيتم الانحياز عنها في ظل الهجمة الحالية من قِبل النظام وروسيا، فإن ذلك يُلخص مدى السخط الشعبي من خفض التصعيد ومصادرة فوهات البنادق لصالح الضامنين، ويعكس ألم اللوعة في ظل اتفاق سوتشي المُنعقد في 17 أيلول/سبتمبر الماضي، فمسلسل الانسحاب بات معروفًا ومُجربًا في شرق السكة والغوطة من قبل، والأهالي حفظوا المعارك (الصورية) وباتوا يعرفون سيناريو عدم التحضير المُسبق من حفر للخنادق وتجهيز لخطوط الدفاع، وإحداث غرفة عمليات مشتركة للتصدي، وإن أُحدثت فهمي مُفككة تأكلها الفصائلية، ففي معارك الصد يُزجّ خيرة الشباب الثائر، ويرافقها زخم إعلامي كالعادة، فتتوالى أخبار الإثخان بالعدو وتصوير قتلاه وسحلهم، وتصوير آلياته المدمرة والغنائم، ليأتي الانحياز بعدها بداعي اتباع العدو سياسة الأرض المحروقة مع تراشق التهم والتخوين بين الفصائل، فتُنسى المنطقة التي احتلها مرتزقة النظام السوري ويُثبِّت فيها بعد تجديد التهدئة لخفض التصعيد، والحال هو فقدان خيرة الشباب ودمار للبيوت ونزوح للأهالي الذين بات لسان حالهم يقول: “أبلغونا بما كسبت أيديكم عقب أستانة 12 لنحافظ على أرواح شبابنا وما نستطيع من ممتلكاتنا.”
هذا بالنسبة إلى اتفاق سوتشي شعبيًا، وأما عمليًا فهو اتفاق صعب تنفيذه من قِبل أنقرة لاستحالته، لذلك انتقلت روسيا بالتفاوض إلى لغة القصف والتدمير مُتسلحةً بعصا الإرهاب والتصدي له حسب زعمها، وربما إلى تنفيذ ما اتُّفق عليه من مقايضة، كالحديث عن اتفاق روسي_تركي لاستيلاء الأخيرة على (تل رفعت) مقابل الحملة في ريف حماة الشمالي، وربما لا مقايضة من الأساس سوى تطبيق أهداف سوتشي بالقوة سعيًا من موسكو لتحقيق خطوة مهمة على الأرض بعد أن شطب بيدرسون خمسة أسماء محسوبة عليها وعلى النظام من اللجنة الدستورية، لذلك تسعى حاليا لتحقيق تقدم يُسجل لها عبر فتح الطرق الدولية التي تتطلب سلخ ثلث المناطق المحررة، إذ إنه يستحيل فتح تلك الطرق وأجزاء كبيرة منها بيد المعارضة، لأنها شريان اقتصاد سورية لذلك تسعى للسيطرة عليها وفتحها.
ومن ناحية أخرى زيادة الضغط على أنقرة بعد أن أعلنت قرب التوصل مع واشطن إلى اتفاق يخص شرق الفرات، فأشعلت روسيا منطقة خفض التصعيد على أنقرة لطموحها بملء الفراغ الأمريكي في شرق الفرات (إن حصل) كيلا تتفرد تركيا بالمنطقة وحدها وتشاركها المنطقة الآمنة.
أما المعادلة بالنسبة إلى أنقرة فوصلت إلى مُستحيلة الحل تقريبًا، وبات من الصعب عليها الحفاظ على التوازن بين العلاقات الروسية في إدلب وبين العلاقات الأمريكية في شرق الفرات، فضلاً عن استحالة تطبيق اتفاق سوتشي بعد مُضي أكثر من خمسة أشهر على موعد فتح الطرقات نهاية العام 2018م وإنهاء الوجود الرديكالي الذي تغول بالمنطقة بدل أن يتقلص، وبالتالي كان التصعيد من قِبل موسكو للرد على الهجمات الإرهابية التي ادعت أنها محدودة وبالتنسيق مع تركيا التي التزمت الصمت طيلة فترة التصعيد، حتى ظهر جاويش أوغلو يوم الخميس الماضي مُطالبًا نظيره الروسي سيرغي لافروف بإيقاف الهجمات التي تستهدف منطقة خفض التصعيد!
المعارك حاليًا بين مدّ وجزر فإما أن تكون فعلية حقيقية بمنزلة الند لموسكو من باب لغة الحوار بالقوة وبالمثل للردع والعودة إلى الدبلوماسية، وإلا فهي صورية بالاتفاق تُحاكي حدْث كل متألم من اتفاق خفض التصعيد، يفطر ويتسحر على القذائف والصواريخ والنزوح.