فرات الشامي |
ﻻ تقاس الثورات الشعبية الطامحة للتغير الجذري بمدةٍ زمنية أو بالمعايير العرفية في حساب الوقت؛ فلكلِّ ثورةٍ خصوصيتها وعواملها التي أسهمت في رسم ملامحها.
وحتى وقتٍ قريب ساد الشارع بطرفيه الموالي والمعارض بأنّ النهاية المكتوبة والحتمية ستخرج على العلن تحت مسمى “ﻻ غالب وﻻ مغلوب”، غير أنّ جملة المتغيرات السياسية والعسكرية اليوم أفرزت سيناريوهات متعددة اﻻحتمالات، تتجاذبها الرؤيتان الروسية واﻷمريكية اللتان تتصادمان، ما يُطيل في عمر نزيف الدم والحفاظ على هيكلية النظام المترهلة لغاياتٍ في نفس الأطراف اللاعبة السابقة، مع هامشٍ محدود لتركيا وإيران؛ يُكسب الكبار شيئاً من التوازن والمرونة، لكن على حساب المطالب الجماهيرية اﻷولى.
وعلى العموم ما يزال المسرح يعيش نشوة انتصار السياسة الروسية وتقهقر نظيرتها اﻷمريكية، ويُجري عملياً لملمة بقايا النظام وتدويره كالنفاية في الكرخانات العربية والدولية الفاسدة، وإخراج المعارضة من اللعبة برمي الفتات لها بعد أدائها اﻷدوار المطلوبة بغباء، بغض النظر إن لعبتها بحسن أو سوء النية؛ فالنتيجة واحدة.
وبكل اﻷحوال فإنّ ما أريد تصويره في اﻷذهان هو فكرة “عبثية الخروج” على النظام؛ وإسقاط الرغبة في التغيير السياسي على اﻷقل لأربعين سنة قادمة، في نموذجٍ مشابهٍ لمرحلة الثمانينات، وﻻ يهم وقتها إن كانت سورية اﻷسد ستكون بقيادة حافظ الحفيد، أم غيره من أبناء الوحش.
بالمقابل؛ فإن مهمة إنجاح المسرح العبثي تبدو أنها تجري بما ﻻ تشتهي سفن المجتمع الحليف للنظام السوري المنكب اليوم على صراعات بينيّة لتقاسم الجغرافية السورية، في وقتٍ يعيش فيه النظام أسوأ مراحل إدارته للسلطة، مُتخبطاً ﻹرضاء أسياده، فضلاً عن الشارع المتذمر من اﻷوضاع المعيشية المتردية، وانتشار الفوضى في مناطق نفوذه التي أُعيدت عنوةً واغتُصبت في “كرخانة اﻷسد”، ما يرسم الملح الحقيقي الجديد للدويلة اﻷسدية، دون رتوش، وقد تحولت إلى مستنقع للتمساحين الإيراني والروسي.
شخصيًا؛ «ﻻ أعتقد أن من خرج صادقاً بوجه اﻷسد، وأجبرته الظروف على البقاء في “حضن الوطن”، سيقبل بتذوق لسعات “دبابيس اﻷسد”، مهما بلغت نعومتها».
وبعيداً عن الكلام اﻹنشائي، والحديث على هامش الأمل أو اليقين الذي بات بعيداً عن الواقعية، فإنّ معطيات الواقع تُبرهن على سقوط هيبة نظام اﻷسد، ورموزه. وبالمحصلة؛ بشار الأسد اليوم أشبه بموظف رسمي لدى الشركاء المتشاكسون، الروس واﻹيرانيون، يُشبه ما تقول عنه جدتي رحمها الله؛ “مثل مكوك الحايك”، يرقص هنا وهناك منحنياً ساجداً، بدلالة تكرار استدعائه من أسياده وطرق نقله إليهم، وذروة ما يريده نصب صنم أبيه في مناطق نفوذه المزعومة، بعد رفضه عقدة التبوّل والتكسير التي لم تكن متوقعة من طرف من أعتقدهم عبيداً في مملكته.
كما أكدت السنة الفائتة التي تُعتبر عام اﻷسد بامتياز عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته أو تنصله منها جملةً وتفصيلاً، بدليل حالة الشارع المتردية؛ ما يعني هامشاً تجديد الخطاب الثوري؛ فالفرصة مناسبة لكسب المزيد من التأييد للثورة وتعرية الطاغية.
ومن يعيش اليوم فوق المسرح العبثي، حقيقةً ﻻ وهماً، هي سورية اﻷسد، وإن لم تكن الثورة نجحت في تحقيق مطالبها، لكن حلم الحلفاء (أعداء الحق)، انتهت إلى غير تحقيق رؤيتهم لسورية المفيدة، وبات التغني بالسيادة الوطنية التي صدّعت آذان الناس، فاقدةً للعذرية في حانة القمار الدولي على طاولةٍ البيع التي قدمها بشار لهم على طبقٍ من ذهب مجاناً، بعد أن فرض على الناس معادلة، الضامن “المحتل” والمضمون “المجرم”.
ولئن صفق الجمهور ورقص في الساحات مستسلماً، أو أبدى بكاءً، فلا تحسبنها رقصة الطائر المذبوح.