علي سندة |
إن تصعيد موسكو الأخير في إدلب لتسخين اتفاق سوتشي مع أنقرة، هو بمنزلة تذكير للحليف ببنود الاتفاق التي مضى عليها أكثر من خمسة أشهر عن المدة الزمنية المُحددة لها، وتحديداً تلك المتعلقة بإنهاء الوجود الراديكالي المكبل لتحركات أنقرة في الشمال، خصوصًا بعد أن أنهت الولايات المتحدة مخيم الأطفال والنساء في الباغوز الذي تعتبره معقل داعش الأخير، فكان التصعيد الروسي للفت انتباه أنقرة أن الوقت ليس مفتوحًا أمامها في المسار الدبلوماسي في ضوء إتمام الولايات المتحدة السيطرة شرق الفرات، وتلميحها المستمر بالقلق حول الوضع في إدلب الذي بدا أكثر تناغماً مع نوايا موسكو تجاه معقل المعارضة، وذلك كنوع من الضغط على تركيا من قبل الولايات المتحدة بعد الفشل في الوصول إلى حل نهائي حول المسألة الكردية.
لقد باتت الظروف أكثر موائمة بالنسبة إلى موسكو بعد دخول نتنياهو على خط تشكيل المشهد الأخير في سورية من خلال طرحه إخراج الحليفَين المنافسَين لها من الصراع في سورية، (أنقرة، وطهران) وهو ما يحقق مصالح الأطراف الثلاث (روسيا، وإسرائيل، وأمريكا) بشكل تكاملي يجعل منهم شركاء بدلاً من أقطاب صراع، وذلك بمساعٍ روسية ورضا إسرائيلي للدمج بين مساري أستانة وجنيف، وهو ما سيحقق توافقًا روسيًا إسرائيليًا أمريكيًا بهدف طرد كل القوات الأجنبية من سورية.
إن الدفع نحو الحل السياسي بمعزل عن الحليفين، وفق تقرير أمني صدر في الثامن من الشهر الحالي يُوضح توجه روسيا الجديد في سورية. وهو ما رحبت به إسرائيل على لسان نتنياهو الذي أبلغ مجلس الوزراء في الثالث من الشهر نفسه بالاتفاق مع موسكو لإنهاء كل القوى الأجنبية مع جهات أخرى لم تُحدد. في حين كان الترحيب الأمريكي على هامش قمة بوتين _نتنياهو التي عُقدت في 27شباط/فبراير الماضي في موسكو، والتي التقى فيها كبار قادات الجيش الأمريكي مع الروسي لبحث سُبل التفاهم الجديد حول إخراج كل القوى من سورية.
إن مصلحة إسرائيل وأمريكا في الحلف الجديد تتلاقى مع روسيا في إنهاء الوجود التركي أو الضغط عليه، وذلك بالتوازي مع إنهاء الوجود الإيراني للانتقال إلى حلقة تفاهم أكبر بما بات يُعرف بصفقة القرن والاعتراف بإسرائيل بشكل رسمي وإنهاء حالة النزاع على الأراضي مع دول الجوار والسلطة الفلسطينية، وهو ما بدأه ترامب فعلاً عندما أبدى رغبته في تغريدة بضرورة الاعتراف لإسرائيل بالسيادة على الجولان السوري وما تعيشه غزة من اضطرابات.
إن إعادة تشكيل خريطة الصراع والتحالفات في المنطقة بات قريباً جداً، وستكون تسوية الوضع في سورية نموذجًا مصغرًا لإمكانية هيكلة الشرق الأوسط الجديد، وساحة امتحان للقوى الإقليمية التي تمتلك أيضاً أوراق ضغط ومصالح لا يُستهان بها، وهو ما أكده الرئيس التركي بعد تغريدة ترامب حول الجولان بأن المنطقة على شفا أزمة جديدة.
الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت على صعيد الحل في سورية وإعادة تشكيل محاور الأحلاف التي ستضع الدول المنخرطة في الصراع السوري بين خيارات حاسمة ستُجبرها على إعادة ترتيب حساباتها ليس في سورية فقط بل على مستوى المنطقة.