غسان الجمعة |
بدأت الإدارة الأمريكية تنتهج سياسة الانسحاب (بالتصريحات) عبر وسائل الإعلام، وفي الوقت ذاته تعزز من وجودها في سورية، فرغم تحذيرات الخارجية الروسية من تعزيز الولايات المتحدة لقاعدتها بالتنف بالمعدات الثقيلة أعلن ترمب أن بلاده ستنسحب من سورية قريباً (رغم نفي الخارجية وجود خطة لذلك) والذي أدرجه مراقبون تحت بند الابتزاز السياسي والاقتصادي لحلب المزيد من المال الخليجي وللمفارقة أيضاً كشفت وسائل إعلام قبل عدة أيام عن بناء أكبر قاعدة عسكرية في سورية على مقربة من حقل العمر النفطي في دير الزور..
هذا التناقض بين التصريحات و التحركات على الأرض بات أكثر حدة بالتزامن مع التغيرات التي تسارعت وتيرتها في بنية الإدارة الأمريكية التي باتت تشبه إلى حدٍّ ما غرفة عمليات عسكرية بعد تعين بومبيو (وزير خارجية) و جون بولتن (مستشار الأمن القومي) وكلاهما يتبنى مواقف تطالب بالمواجهة مع المعسكر الروسي و يعارضان بشدة الاتفاق النووي مع إيران، فقد عقَّب بولتن على الاتفاق بأن القصف هو السبيل الوحيد لإيقاف النووي الإيراني، كما أن قناة RT الروسية وصفته برجل الحروب والضربات الوقائية.
كل هذه المعطيات بالإضافة إلى حملة الطرد الجماعية لدبلوماسين روس على خلفية تسميم الجاسوس سكيربال هي مؤشرات لبداية مرحلة جديدة من التعامل مع بوتين الذي بنى لنفسه بالشرق الأوسط حلفاً يساند وجوده العسكري ويدعم مصالحه، و في الوقت نفسه يستثمر به من خلال الابتزاز السياسي بينه وبين الدول الإقليمية كما يجري الآن مع مخاوف إسرائيل من حزب الله والإيرانيين والمخاوف التركية الكردية المتبادلة والصراع الخفي بين إيران و تركيا على مدِّ النفوذ والسيطرة.
ولذلك باتت اللعبة الدبلوماسية الباردة المبنية على وتر المتناقضات بين أطراف الصراع التي يبرع بها بوتين غير مجدية الآن إن رغبت الولايات المتحدة وحلفاؤها وقف هذا التحدي، وهو ما تحدثت عنه عدة وسائل إعلام ومراكز أبحاث على رأسها موقع ديبكا الاستخباراتي المقرب من دوائر صنع القرار في إسرائيل عندما نشر في (16 مارس) تقريراً حول دراسة جدية تجريها الإدارة الأمريكية لشن أولى عملياتها العسكرية على ميليشيات موالية لطهران بعد تحذيرها من عبور خطوط الدفاع الأمريكية شرق الفرات.
ففي حال صدقت هذه التكهنات قد تكون ساحة المعركة مفتوحة بين التحالف الأمريكي والحِلف الروسي وهو ما يحضر له كلا الطرفين في البادية والجنوب السوري، وقد أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي مؤخراً عن استئناف سلاح الجو الإسرائيلي غاراته داخل الأراضي السورية حسب ما نشرت صحيفة “جروزاليم بوست” وقد تزامن ذلك مع دراسة أعدها معهد العلوم والأمن الدولي عن منشأة نووية سورية في القصير بدعم إيراني وكوري شمالي وحراسة من قبل ميليشيا حزب الله قد تكون بديلاً عن موقع الكُبر أو منشأة لبرنامج صاروخي أو كيميائي.
لقد بلغت تعقيدات الظروف وتصادم المصالح ذروتها مع وجود أسباب مبررة لأي تحرك عسكري في مواجهة إيران وروسيا، وذلك على مستويات الرأي العام الدولي (قضية اغتيال سكيربال) والإقليمي (زعزعة الأمن في المنطقة من قبل روسيا وإيران).
هذه المعطيات والأسباب ستظهر مفاعيلها بوتيرة أشد في حال ظهرت نتائج إيجابية تصب في مصالح تركيا وروسيا وإيران عقب القمة المزمع عقدها الأربعاء القادم في إسطنبول الذي من المفترض أن يبحث فيها اتخاذ خطوات جديدة لتطبيق الحل السياسي في سورية وهو ما ترفضه الولايات المتحدة والدول الغربية لأنه خارج مظلة الأمم المتحدة وإطار جنيف.