تقرير واستطلاع: أحمد يغن-أزمير التركيةسوريون في ريعان الشباب ينامون في الحدائق والطرقات العامة، لا تبدو عليهم مظاهر الفقر أو الفاقة، بل على العكس تمامًا، فهم يرتدون الملابس الجديدة، وبعضهم يبدو أنَّه مهتم بأحدث الموضات، وآخرون يحملون أحدث أجهزة الاتصالات، إنَّهم ليسوا مجانين أو متسولين، وربَّما تتفاجؤون إن علمتم أنَّ بعضهم يتحدث ثلاث لغات، وأنَّ معظمهم جامعيون، فلماذا يفترش هؤلاء الطرق والحدائق؟!إنَّنا في مدينة أزمير التركية المحطة الأولى في الرحلة الطويلة الشائكة التي يبدؤها الراغبون في الهجرة إلى أوروبة، البلاد التي لا تعترف إلا بالمادة!ما الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى المخاطرة بأرواحهم ومستقبلهم وأخلاقهم مع العلم أنَّ المنظمة الدولية للهجرة ذكرت في تقرير لها أنَّ حوالي 3072 مهاجرًا سريًّا ماتوا إمَّا غرقًا أو جراء البرد في العام الماضي فقط، في حين كان بإمكانهم العمل بما يملكون من علم وبما يحملون من شهادات ومال، ويستطيعون أن يعيشوا حياة رغيدة في دول الجوار السوري، هل ما سيلاقونه في أوروبة من الرفاهية والرخاء يجعلهم يُرخصون أرواحهم ويشقون عرض البحر بقارب صغير؟! ولمن سيتركون سورية بعد التحرير؟!هذه الأسئلة طرحتها صحيفة حبر على مجموعة من الشباب في مدينة أزمير قبل متابعتهم رحلة الهجرة إلى أوروبة:”قال لؤي (24سنة طالب أدب إنكليزي): في ألمانيا فرص للدراسة والعمل يمكنني اغتنامها عند وصولي، وأهم من ذلك العيش بكرامة، هناك سيقدمون لي بيتًا وراتبًا شهريًا جيدًا، وفي حال قبلتني إحدى الجامعات فسيزيدون لي الراتب، ليتوافق مع نفقات الدراسة، وسأعيش حياة هانئة بعد التخرج، أمَّا عن بلدي فلا أستطيع أن أقدم لها شيئا وأنا من دون عمل ومن دون أدنى مقومات العيش.سألته حبر: هل تنوي العودة إلى سورية؟ فأجاب: لا”“وعند توجيه الأسئلة إلى محمد (عامل) أجاب باستغراب: أعتقد أنَّ الأسباب التي تدفعنا للهجرة لا تخفى على أحد، فإنني سأتلقى في الدنمارك أو ألمانيا راتبًا شهريًا يعادل ضعف الراتب الذي سأتلقاه في تركيا إذا عملت 12 ساعة يوميا وذلك من دون أن أعمل شيئا، وعند سؤالنا إياَّه لمن تركت سورية؟ أجاب: لا أعلم!” “أمَّا براء (27 عاما مهندس كهربائي) فقد قال: لا يمكن أن أتخلى عن بلدي الذي نشأت فيه وعشت فيه طفولتي وأجمل أيام حياتي ولن أتخلى عن أهلي، فأنا لدي النية في العودة، سأهاجر لأنني لا أجد أية وظيفة بشهادتي في أية دولة من دول الجوار، وأنا مطلوب للخدمة الإلزامية في جيش النظام، فعند وصولي إلى السويد إن شاء الله سأبدأ بتعلم اللغة، وبعدها سأتوظف بشهادتي هناك وسأشعر بقيمة ما أفعله” “أحمد (22 عاما): سأذهب إلى ألمانيا ليس من أجل المال، فإنَّ والدي يملك منه الكثير ونحن أغنياء، لكنني أريد العيش والزواج وإنجاب الأطفال في بلد حضاري يحترم حقوق الإنسان، وأريد أن يتربى أطفالي على التطور والعلم.سألته حبر: ألا تظنُّ أنَّ سورية تحتاجك؟ أجاب: لا، فلست أوَّل سوري يترك بلده، ولست آخرهم” “ويقول (مصطفى 29 عامًا عامل نسيج): إذا ضمنت لي أن تنتهي الحرب في سورية بعد سبع سنوات فإنني سأنتظر معكم ولن أسافر، ولكنني لا أرى أي أمل في انتهاء الحرب، نعم كنت أعمل في تركيا عملا شاقا، واستطعت ادخار المبلغ الذي سيكفيني للرحلة (بعد طلوع الروح) وسأرتاح من هموم الحياة والعمل.هل ستعود إلى سورية؟ نعم، إن انتهت الحرب” هذا وقد توقعت الأمم المتحدة عبور نحو نصف مليون مهاجر غير شرعي، معربة عن تخوفها من أن يلقى عدد كبير منهم حتفهم في البحر، وطالبت العمل على مكافحة المهربين للحدِّ من ظاهرة الهجرة التي يبتلع طريقها الكبير والصغير.فهل من حلٍّ ينقذ شبابنا من براثن اللصوص ومافيات التهريب ومن ظلمة البحار التي ابتلعت الكثيرين منهم؟تستمر المغامرة بالأرواح وتستمر القوارب بالانطلاق في غياب أي حلول تغني الشباب عن الهجرة.