” لن ندفع ” هو عنوان السياسة الأمريكية الجديدة في سورية، فبعد تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي بولتن حول إدلب التي هي عبارة عن تتمة لسياسة خطوط أوباما الحمراء التي مايزال ترامب ينتقدها إلى الآن عيَّنت الخارجية الأمريكية جيمس جيفري مستشاراً لها في الشؤون السورية بعد أيام من تقديمه دراسة وضعت مقاربة للتعامل الأمريكي مع الملف السوري.
ورغم إعلان الولايات المتحدة عن أهدافها في سورية، وقد حصرها مستشار الأمن القومي بالقضاء على داعش وإخراج إيران من سورية، بدأت ملامح جديدة للسياسة الأمريكية في التعامل مع الملف السوري تطفو على السطح من خلال تعيين جيفري الذي وصفه معهد واشنطن للأبحاث بالمتميز والذي يتمحور عمله حول الإستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مع تركيز خاص على تركيا والعراق (سفير سابق في كلا البلدين) وإيران.
الدراسة ليست وحدها من قذفت بالسفير في خضم الصراع السوري بل لدعمه سياسة ترامب تجاه إيران ولتبنيه فكرة (ادفعوا) التي يكررها ترامب دائماً بينما أسس نقاط الارتكاز للمصالح الأمريكية في سورية حسب هذه الدراسة على النقاط التالية:
– فرض حظر للطيران على مناطق شمال شرق الفرات (سورية الديمقراطية) والحفاظ على هذا الوضع لحين تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 كاملاً.
– دعم الجهود الرامية لدق أسافين الخلاف بين روسيا و إيران من خلال دعم المطالب الإسرائيلية في سورية واستمرار ضرباتها العسكرية فيها.
– زيادة العقوبات ضد البنوك والمؤسسات الاقتصادية التي تدعم نظام الأسد وتحديداً تلك التي تُدار من خلال وكلاء إيران وترعى مصالحها في سورية.
– إيجاد أسواق بديلة للصادرات النفطية والزراعية لمناطق شمال شرق الفرات بدلاً من تلك الخاضعة لنظام الأسد.
– إدارة المنطقة لاحقاً بدعم مالي وعسكري من حلفاء واشنطن في المنطقة مع الحفاظ على تمثيل عسكري أمريكي محدود فيها.
هذه المقاربة لمدير الملف السوري الجديد ستضغط على موسكو لطرد الميليشيات الإيرانية من البوابة الإسرائيلية بعد تصريحات موسكو البراغماتية بعدم واقعية إخراج إيران من سورية من خلال توفير عنصري الضغط على السياسة الروسية والذريعة لحفظ ماء وجها من إيران(الحليفة) وخصوصاً بعد تهديدها باحتمالية اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وإيران وحزب الله على الأراضي السورية ممَّا يهدد مصالح روسيا في سورية.
كما أن السلاح الاقتصادي في مواجهة الحلف الروسي سيكون له أثر أكبر في الأيام القادمة في حال تطبيق بند المقاطعة الاقتصادية بين مناطق قسد والأسد بالإضافة إلى فرض المزيد من العقوبات على قطاع البنوك والشركات ممَّا سيؤدي إلى استنزاف الأسد لحلفائه المنهكين اقتصاديا بالأساس.
إن العبثية وضبابية الموقف الأمريكي من محادثات جنيف قد لا تستمر بمراوغتها السلبية المعتادة ومن المتوقع أن يضع لها جيفري حداً كي لا تضر بالمصالح الأمريكية من قبل بقية أطراف الصراع التي سيحاول أيضاً وفق توصياته بالدراسة استمالة الموقف التركي نحو المسار الأمريكي بعيداً عن المحور الإيراني والروسي من خلال تفاهمات تتعلق بشمال شرق الفرات كي يكون الشمال السوري عموماً قوة ضغط على النظام السوري وحلفائه.
حتى اللحظة لا تزال هذه الرؤية في حقيبة مستشار الخارجية للشأن السوري حبرًا على ورق وستتعرض لأول اختباراتها في جنيف القادم المزعم عقده حسب تصريحات ديمستورا منتصف أيلول القادم، فإما تتحول السياسة الأمريكية إلى مرحلة جديدة أو ستبقى رهينة المناورات الدبلوماسية الروسية.