“ما بدي مجتمعي ينبذني أكتر ماني منبوذة” عبارة قالتها صديقتي رنا بألم بعد أن حبست دمعةً فضحها الاحمرار الذي فجأة لوّن عينيها، حدث ذلك بعد أن سألتها: ” لماذا لا تتقدمين إلى وظيفة مذيعة إعلامية لأنك تملكين القدرة والمواصفات المطلوبة؟!” ربما تتعجب لو عرفتَ أن قائلة ذلك الجواب الغريب واحدةٌ من السيدات التي كان لها بصمتها في مختلف ميادين العمل، وتشهد لها جميع المؤسسات التي عملت معها بذكائها وحسن تدبيرها، لكنها تعيش في وسَط يشكل الطلاق الوزنة الأثقل في ميزانه.
رنا عملت بالتدريس وتطوعت في مجالات أخرى كالدعم النفسي وغيرها، بعد ذلك جاءت قصة خطوبتها لتوقف ذلك كله، إذ طلبها شاب ووافقت عائلتها لوجود صلة قرابة بينهم، لكنها لم تحظَ بمعرفة جيدة به، فكل الأمور كانت حسب ترتيب الأهل، إذ قضت مع زوجها 4 أشهر امتلأت تلك الفترة بالخلافات وعدم التوصل إلى نقطة تفاهم بينهما، تقول رنا: “لم يكن يجيد شيئا سوى قمع أحلامي، عديم المسؤولية ولا يقوم بأي عمل، وفي الوقت نفسه ذو اعتراض على عملي وخروجي من المنزل، ضقت ذرعًا بالعيش معه، كدت أفقد أنفاسي حتى حصلت على حريتي من عقليته، وعندما عدت إلى منزل أهلي، كان إحساسي كأنني عصفور فُتح له القفص بعد فترة طويلة من الزمن.”
ظنت رنا أن ذلك سيكون نهاية للمعاناة، إلا أنه فُتح باب جديد لأخرى أكبر من سابقتها، حيث شعرت بذلك عند أول موقف تعرضت له عند تعاملها في إحدى المنظمات مع واحد من ضعفاء النفوس الذي حاول استغلالها لأنها مطلقة ظننًا منه أنها سهلة المنال، وتبع ذلك النوع من المضايقات النظرة المجتمعية الدونية تجاه المطلقة، حيث تطالها ألسن الناس بانتقاداتهم اللاذعة، بالإضافة إلى فرصة ارتباطها مرة أخرى بشخص جيد المواصفات تقل، فالمتقدمون لها ممن يكبرها بـ 15 عامًا، أو المتزوج وله زوجة وأطفال، تقول رنا في هذا السياق: “محال أن أبني سعادتي على تعاسة الآخرين”
لملمت رنا جراحها وسارت على طريق العمل وإثبات الذات، فكان حالها كشخص يمشي حافي القدمين في حقل ممتلئ بالأشواك، أشواك زرعها المجتمع وسقاها بنظرته الخاطئة، فقامت بفتح مركز تطوعي لدعم الأطفال، استقطبت فيه عددًا كبيرًا من الأطفال وقدمت لهم ما يفيدهم، إضافة إلى الأنشطة المفيدة لجميع الفئات العمرية، وواصلت بذل الجهود فيه حتى لمع اسم المركز ودعمته منظمة مرموقة، بعدئذ لم تقف عند هذا الحد بل انخرطت في مجال الإعلام، و وقدمت مواد صحفية مقروءة ومسموعة بالإضافة إلى المرئية، تلك المواد عكست صورًا مختلفة من مجالات الحياة.
بعدئذ سعت إلى تنظيم الكثير من الدورات التدريبية وجلسات التوعية مستهدفةً النساء والفئات الشبابية، كل ذلك لم يكن ليغير نظرة الجميع لها لأنها مطلقة. تكمل رنا قصتها: “أحيانا تجتاحني رغبة بأن أواجه الناس وأسألهم هل هناك فتاة بالعالم لا تتمنى أن تكمل علاقتها الزوجية بسعادة؟! هل هنالك امرأة لا تتمنى أن تتوج بأكبر نعمة منحها الله للأنثى ألا وهي الأمومة؟! لو قاسوا تجربتي بقلوبهم لما فكروا بهذه الطريقة.” وتضيف: “دائما يشعرونني بالنقص وبأنني لست كباقي الفتيات، ربما لو علموا البركان المشتعل داخلي لحسنوا موقفهم تجاهي، كم تمنيت لو يضعوا أنفسهم مكاني حتى يعلموا لماذا أحيانًا الأنثى ترضخ للطلاق أحيانًا.”
لم تتعجب رنا من موقف الناس المنشغلين بمراقبة كل حركاتها وسكناتها، فأهلها يتدخلون بها كأنها مراهقة ناسين أنها ذات 25 ربيعًا وتمتلك عقلاً واعيًا كفيلاً بتمييز الصح من الخطأ.
تختم رنا حديثها: مستمرة في عملي وإثبات نفسي لأبرهن للجميع أن الطلاق ليس معيارًا تقيمونني به، وأيضًا ليس النهاية بل هو بداية لشيء عظيم، فدائما الإنجازات الحقيقة تأتي بعد فترة من الانكسار”.