منيرة حمزة |
لم يكن يدري الشاب (خالد الخياط) أثناء وجوده في السوق قُبيل أذان المغرب في الأمس القريب أنه على موعد مع رصاصة طائشة أردته قتيلاً وأنهت صومه وحياته معاً.
قُتل (خالد) برصاص طائش إثر إطلاق نار متبادل بين بائعَي (عرق سوس) في أحد أسواق معرة النعمان، وهو يفض النزاع الحاصل بينهما بعدما احتدم الشجار وتطور إلى استخدام السلاح راح ضحيته خالد وشخص آخر من المنطقة نفسها، لا ناقة لهما في الأمر ولا جمل، سوى أن القدر دفعهم إلى الوجود في أزقة السوق ليشتروا حاجاتهم قبل انقضاء اليوم.
في كل يوم يتكرر المشهد قُبيل آذان المغرب، فتعلو الأصوات وتنطلق الشتائم وينقطع الطريق أمام المارة، فتتلاشى كل معاني الصيام في هذه الفترة التي أحبُّ أن أسميها: (ساعة الذروة الرمضانية) حيث تنفرط حبيبات الصبر المنعقد منذ آذان الفجر وصولاً إلى تلك الساعة، فيفقد البعض القدرة على ضبط تصرفاتهم ولجم غضبهم في تفادي أي مشكلة ربما تكون عادية لا تستدعي الغضب أو الانفعال لو حدثت في غير شهر.
ولكن ما نراه كل يوم تقريباً في شهر رمضان سواءً في الأسواق أم في الطرقات أم حتى في بعض البيوت ما هو إلا فهم خاطئ للصيام، وتطبيق عكسي لما يُراد منه ألا وهو الصبر وضبط النفس وتزكيتها.
حدثتني صديقتي أنها لا تجرؤ على الكلام مع زوجها طيلة فترة صيامه، لاسيما قبل المغرب، وأنها تتحمل مزاجه السيء في ذلك الوقت اتقاء أي مشكلة، وما إن يُفطر بعد الأذان ويُدخن سيجارته، حتى يعود إلى طبيعته ويُبرر غضبه بأنه كان صائمًا ولا يستطيع ضبط أعصابه، وهذا ما تُعانيه نسبة كبيرة من النساء مع أزواجهنَّ أو أولادهنَّ أثناء الصيام.
الصوم مدرسة روحانية متكاملة تنطوي فيها أسمى معاني الخير والصبر والتسامح، ودفع السيئة بالتي هي أحسن منها، وكظم الغيظ والترفع عن السباب والشتائم، والسلوكيات العشوائية غير المنضبطة.
والغضب هو العدو لهذه الصورة البراقة للصيام، فمن غضب أفسد صيامه، وما راعى حق الصيام وإن لم يأكل أو يشرب أو يأتي بمُفطر من المفطرات.
فالزوج لا يُبرر له غضبه عندما يُسبب لزوجته مشكلة أثناء الصيام ولم يضبط نفسه، حتى لو قال: اللهم إني صائم للتبرير!
وكذلك الأم الصائمة عندما تضرب ولا تضبط نفسها، وكذا صاحب العمل الذي لا يجرؤ أحد من العمال على الكلام معه أو مناقشته فهو صائم أيضًا!
وحتى البائع إياك أن تجادله بالسعر أو بجودة بضاعته، فهو صائم ولن يتحمل النقاش معك!!
وهكذا يسير الأمر لدى البعض ممَّن يُحمِّلون الآخرين مِنّةَ صيامهم وعليهم إطاعتهم تحمل مزاجهم المتعكر من الصيام نتيجة انقطاعهم عن الدخان مثلاً إن كان من المدخنين.
جاء رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَا تَغْضَبْ»، قَالَ الرَّجُلُ: «فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ» هذه الوصية النبوية لم تكن محُددة بشهر، إنما في سائر أيام السنة فما بالنا في شهر رمضان وما له من الخصوصية والسكينة الربانية، ماذا نؤذي أنفسنا بالغضب ونرهقها بالانفعال سواء بالصيام أم في غيره.
“فإني صائم ” لتجنب المشاحنات والألفاظ السيئة، والمحافظة على قدسية الصيام وتنزيه الصائم عن الوقوع في الإثم، وليست مبرراً كما اتخذها البعض لتصرفاته وكلامه وسلوكه الغاضب، فالصيام لضبط النفس والتحكم بالانفعالات وكبح جماحها وتهذيبها، فيترفَّع الصائم عن السب والشتم والألفاظ السيئة، وهو فرصة حقيقية للتغيير لمن أراد أن يقوّم نفسه ويعودها الصبر والتأني والتسامح.