بشار الأحمد |
برزت في الفترة الأخيرة حوادث الانتحار وربما ترتقي لتكون ظاهرة اجتماعية متفاقمة، حيث سُجلت عدة حالات انتحار في الشمال السوري، توزعت على عدة مناطق كانت أبرزها في (جرابلس، وإدلب، وبنش) وغالبًا ما يكون السبب هو الفقر، لكنه ليس السبب المباشر للانتحار كما يظن البعض، فمثلاً سُجلت حالات انتحار بسبب المنافسة العالية في سوق العمل والإخفاق في تحقيق الكفاءة المطلوبة للنجاح الوظيفي، كما أن عدم الإحساس بجدوى الحياة دفع بعض الأشخاص للانتحار.
وتنوعت طرق الانتحار ما بين الشنق والرمي من شاهق والغرق، وأخرى تناول مواد سامة (حب غاز)، ومن خلال تحليل للواقع المحرر، تكمن أسباب الانتحار في الوضع الاقتصادي للعوائل المُهجَّرة التي تركت أرزاقها وبيوتها بعد سيطرة نظام الأسد عليها، حيث كانت مصدر رزقهم.
وأحيانًا تكون الأسباب الاجتماعية والنفسية مصدرًا الانتحار، حيث تؤثر بشكل كبير على الأشخاص الذين يعانون من ضغوط المجتمع الذي حولهم، وتكمن أهم الأسباب في عدم القدرة على تأمين مأوى لذويه، بالإضافة إلى عدم وجود فرص عمل كافية توفر دخلًا لهذه العائلات.
ويُعدُّ العنف الأسري والمشاكل الزوجية، من الأسباب التي تدفع الأشخاص في كثير من الأحيان إلى الانتحار ظنًا منهم أن ذلك هو الحل للمشكلة، إضافة إلى الافتقار للرعاية الاجتماعية والصحية التي تضمن سلامة هؤلاء من الأمراض، سواء كانت جسدية أم نفسية وعقلية، ولكي يكون المجتمع بعيدًا عن هذا الأمر لابد من زيادة فرص العمل والقضاء ما أمكن على البطالة.
الاختصاصي في علم الاجتماع (مهند المبارك) قال لصحيفة حبر: “إن حالة الحرب التي مازالت مستمرة، وانعدام الأفق والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي ألمَّت بالبلد منذ تسع سنوات وحتى الآن، هي السبب الرئيس في ازدياد حالات الانتحار.”
مضيفًا أن “الأشخاص المعيلين لأسرهم وصلوا إلى طريق مسدود، حيث لا استقرار ولا وظائف ولا تعليم ولا سماح بالهجرة خارج البلاد.. إلخ، وتلك الأسباب أوصلت الجميع إلى حالة من الإحباط واليأس، حسب ما تم تسجيله من حالات انتحار لأشخاص في العقد الخامس من العمر.”
وأكمل (المبارك) “استحواذ فكرة الموت على أدمغة بعض الأفراد، هو نتيجة صراعات داخلية متفاقمة، يمكننا استنتاج وجود علاقة وطيدة بين تفاقم هذه الصراعات والتطورات الاجتماعية الحاصلة، وخصوصًا في صفوف الأجيال الصاعدة، الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد بوجود تفاعل غير سوي بين المُنتحِر وبيئته الخارجية.”
ولفت محدثنا إلى أن الحل في التخفيف من ظاهر الانتحار يكمن بإزالة أسبابها، وإنشاء مراكز للدعم النفسي والاجتماعي، وإنشاء مشاريع تنموية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين المستوى التعليمي والتربوي، وإنهاء حالة الحرب، وعودة المشردين إلى ديارهم.
إن نسب حالات الانتحار تختلف إلى حدٍّ ما بين مناطق سيطرة النظام والمناطق المحررة، مرجحًا أن تكون النسبة في مناطق نظام الأسد أعلى حسب ما تم رصده من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تكتم من قبل (الحكومة السورية المؤقتة) شمال حلب، أو (حكومة الإنقاذ) في إدلب، أو (الإدارة الذاتية) في شمال شرق سورية، عن إحصائياتها حول حالات الانتحار في مناطق سيطرتها، في حين تم تسجيل أكثر 50 حالة انتحار منذ بداية العام الحالي، حسب ما كشفت الهيئة العامة للطبابة الشرعية في نظام الأسد على لسان مديرها (زاهر حجو).
وأعلنت منظمة الصحة العالمية في سبتمبر من العام الماضي أن نحو 800 ألف شخص ينتحرون سنويًا، بمعدل حالة كل 40 ثانية، أي أكثر من الذين قتلوا في الحروب وعمليات القتل العمد، وحضت على اتخاذ إجراءات لتجنب هذا النوع من المآسي.