محمد نور يوسف |
“عندما أذهب إلى البيت أفطر زعتر أو لبنة، وأحياناً أتناول البيض، أما الفواكه فلا نشتريها، لكن بالأمس أعطانا زوج عمتي حبة أناناس. أبي متوفى وأمي متزوجة وجدي مريض وأنا أعيش مع جدتي.” ذلك كان حديث الطفل (مصطفى طالب) من الصف الرابع مدرسة بسام شاوي عندما قابلته في مدرسته!
يعاني الكثير من الأطفال في المناطق المحررة نقص التغذية النوعية، بسبب الحرب والنزوح وقلة العمل وانتشار الفقر، وقد أثر هذا النقص بالدرجة الأولى على صحة الأطفال لأنهم في فترة نموهم ونمو خلايا الدماغ عند الأطفال الصغار، وهنا تكمن خطورة نقص التغذية.
يقول (أبو ياسر) مهجر من الغوطة عندما سألنا هل يهتم بغذاء أطفاله: “راتبي الشهري 45 ألف ل.س، يذهب نصفها آجار بيت وكهرباء ونت، ويبقى منها 20 ألف مصروف طعام، ماذا سوف نأكل برأيك طوال الشهر بهذا المبلغ وسط الغلاء؟!”
وقد حدثتنا مديرة مدرسة بسام شاوي (لانا جقمور) عن حالات سوء التغذية لدى بعض الأطفال الموجودين في المدرسة: “نلاحظ قلة نشاط وتركيز لدى بعض الطلاب، إذ يوجد شحوب بالوجه عند بعضهم، وثمة طلاب يأتون إلينا ويقولون: نريد أن نذهب إلى البيت لأننا جائعون.”
قمنا بزيارة دكتور الأطفال (فراس الحمدو) ليجيبنا بدوره عن تأثير قلة الطعام ونوعه على الأطفال:
“بشكل عام يوجد عندنا معياران كبيران لسوء التغذية، الأول: قبل الخمس سنوات، والآخر: بعد الخمس سنوات، فقبل الخمس سنوات له معايير محددة عالمياً، كالطول والوزن ومحيط الذراع ومشعل الكتلة عند الطفل، وهذه لها جداول عالمية، ولها أسباب متعددة، وهي أشد خطورة من سوء التغذية بعد سن الخمس سنوات، لكن الخطورة الأشد على الطفل تكون في أول 24 من الولادة، فإذا تعرض لسوء التغذية ضمن هذا الوقت فإن ذلك سوف يترك بصمة سلبية على مدى حياته، قد يكون على إدراكه وقدراته العقلية أو على نموه، وهذا أمر أكيد وليس توقع؛ لأن أول 24 شهر مرحلة اكتمال بناء الدماغ.
سوء التغذية المنتشر عندنا هو حروري، أي أخذ كمية قليلة من الطاقة، أو نوعي كأن يأخذ طاقة نوعيتها غير جيدة معظمها معتمد على النشويات كالخبز والرز مثلاً.
عندنا سوء التغذية من عوز الفيتامينات الأساسية مثل الحديد أو فيتامين د أو فيتامين ب 1 والعوز للبروتين الحيواني بشكل كبير، وهذا العوز يسبب تشتت الزهن وعصبية في المزاج وعدم تركيز، وضعف شهية.
كان عندنا في التسعينيات 66% من النساء معهم فقر دم بعوز الحديد، والآن في ظل الحرب ارتفعت النسبة إلى 90%.
أما الأطعمة الجاهزة أو الأكلات التي يشتريها الأطفال من البقاليات فهي مضرة بصحتهم، فهي عبارة عن نشويات كالبطاطا ولب القمح ولب الذرة أيضاً في غالبيتها، وزيوت صناعية وملونات صناعية فهي سموم مركبة تعطي شعورًا كاذبًا بالشبع.
الإنسان الطبيعي يحتاج إلى نصف غرام بروتين لكل كيلو غرام من وزن الجسم، أو 200 غرام لحم غنم أو ربع كيلو لحم بقر.
اليوم العائلة تأكل 10 بيضات في اليوم على الوجبة، وهذا غير كافٍ من البروتين، ومعظم الأطعمة أصبحت مغشوشة، كاللبنة واللبن والجبن أيضاً، فكلها مسحوبة الدسم.
والنتيجة أننا في مجتمعنا الحالي نعاني من مشكلتين رئيستين: سوء في نوعية التغذية، وقلة في الكمية”.
الاهتمام بصحة أطفال واجب الأسرة بالدرجة الأولى، فمهما كان الوضع سيئًا فإنه لا يمنع من التثقيف والبحث عن بدائل نوعية ورخيصة، وإعداد الطعام الصحي المناسب للأطفال خاصة وجبة الفطور.