غسان الجمعة |
يستمر الجدال والأخذ والرد حول العديد من الملفات بين تركيا والولايات المتحدة على الساحة السورية، بدءاً من صفقة منظومة S400 الروسية وملف منبج والمنطقة العازلة الحدودية، ومروراً بالعقوبات الأمريكية ضد إيران وليس نهاية فيما يتعلق بملف هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ومحاربة الإرهاب في إدلب وشمال غرب سورية.
لا تبدو تركيا لاعباً قوياً في هذه الملفات رغم نجاحها في إدارتها حتى هذا الوقت دون أن تخسر بشكل كلي بأي واحد منها، وكذلك دون أن تحقق مكاسب حقيقية أيضاً، ولكن ربما العامل الإقليمي يمنحها أفضلية جيدة في المناورة، وفي الوقت نفسه يُشكل لها خطورة كبيرة تمنعها من أي خطوة طائشة تتسبب في خسارتها، لأن الخسارة ستكون كبيرة، وهذا ما يجعل الأتراك حذرين جداً في التعامل مع هذه الملفات.
فتركيا لا تريد إغضاب الحليف الروسي مجاناً بتخليها عن صفقة الصواريخ، كما أنها لا تُريد إكمال شرائها للمنظومة دون مكاسب إقليمية والتزامات روسية أكثر صرامة تجاه الملفات المشتركة في سورية، فهي حاليًا تُبدي انزعاجها الكبير من التقدم الروسي على الأرض عن طريق دعم الفصائل بقوة لكي تضغط عليها من أجل العودة إلى الطاولة والالتزام بمقررات سوتشي وآستانة، ولكي تحافظ على ثقل الحليف الروسي في وجه لعبة المُقايضة مع الأمريكان، لذلك نراها تُقدم تصريحات مُتغيرة بشكل يومي تشرح بوضوح للأمريكي أن المصالح الثابتة أولاً، وليست الاتفاقات الهشة التي تماطل بها الإدارة الأمريكية كما في اتفاق منبج الذي أُعلن عنه إعلامياً فقط.
لذلك أبدت تركيا التزاماً بالعقوبات الأمريكية ضد طهران كبادرة حسن نية خارج الحلقات الأساسية المتصارع عليها، لكي تشرح للأمريكي أنها جادة في تغيير لعبة التحالفات في المنطقة إذا رغبت أمريكا بذلك بشكل حقيقي، وإلا فإنها ستنحاز في النهاية إلى المعسكر الآخر تماماً إذا بقيت أمريكا تُمارس الضغوطات الاقتصادية ومحاولاتها المتكررة لإضعاف تركيا والإضرار بمصالحها الإقليمية والعالمية، لاسيَّما الدعم المتواصل من قبل الولايات المتحدة لأعداء تركيا من المليشيات العنصرية الانفصالية التابعة لتنظيم PKK الذي تُصنفه تركيا كإحدى أخطر المجموعات الإرهابية على الأمن القومي التركي، كما أنها بعدم الانجرار للعداء مع إيران بشكل كبير تحاول حماية نفسها من أي اتفاق روسي أمريكي يُجهض مصالح تركيا في المنطقة.
أمّا بالنسبة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) فتُحاول تركيا لعب ورقة الضامن لحدود حركة هذه القوة دون الدخول في أي معركة للقضاء عليها، لأنها تعلم أن تلك المعركة ستكون ضربة لإضعافها وحشد قوتين على الحدود ضدها، هي المليشيات الانفصالية في الشمال، وجبهة النصرة في الغرب، وتعلم تركيا أن هذه المعركة لو حدثت ستقدم الولايات المتحدة دعماً كبيراً لكلا القوتين معاً من أجل إضعاف تركيا وإخراجها من المعادلة، وربما تفعل روسيا الأمر نفسه لكي تستطيع التقدم على الأرض، ثم يقومون بالقضاء على النصرة في النهاية كما فعلوا مع داعش.
تحاول تركيا أن تكون هي من يُدير دفة هذه المجموعة حتى تضمن حيادها وتضرب بها في الوقت نفسه إذا رغبت في ذلك كورقة تفاوضية قوية لن تقوم بالقضاء عليها إلا عندما تُحقق جميع مصالحها المتعلقة بأمنها الحدودي والقومي مع الولايات المتحدة بشكل صارم وغير قابل للنقض.
الولايات المتحدة بدورها تُمارس أدوار مشابهة ولا تُريد الحسم في أي ملف، كيلا يُهيمن الأتراك على المنطقة وتزداد قوتهم على حساب إضعاف روسيا وإيران، بل تُفضل إغراق الجميع بالمستنقع السوري أطول مدّة ممكنة، وهي تديره من الخارج وتلعب على المصالح الجزئية والمؤقتة والمتغيرة لكي تكون أكثر قدرة على تحقيق مصالحها وضمان الوجود بقوة وبأقل كلفة ممكنة.