غسان دنو
لا يخفى على أحد أنَّ معظم الوظائف والأعمال ضمن القطاعات الثورية شغلها من شارك بالتظاهرات السلمية في بداية الحراك، لأنَّهم استحقوها بانتفاضتهم بوجه نظام الطاغية، ومنهم من أكَّد أحقيته بها عندما تخلَّى عن جامعته أو وظيفته أو أملاكه في الرقعة التي يسيطر عليها النظام، والتحق بصفوف الثوار مؤكداً بذلك أنَّ كل شيء يهون لأجل عيونك يا ثورة ….
ولكن توالت الأعوام وطال أمد الثورة، فانتشرت الجمعيات والمنظمات وغيرها، وظهرت فرص العمل التي تناسب الشبَّان الناشئين الذين ترعرعوا وتخرَّجوا من مدارس الثوار دون أن يجد معظمهم فرصة عمل تكفيه وأسرته شرَّ البطالة، فكيف لا يجد هؤلاء عملا في ظلِّ ازدياد عدد الجمعيات والمؤسسات والمدارس؟!
لا تتعجب عزيزي القارئ، فمن عمل في بداية الثورة لم يكتفِ بعمل واحد، فقدراته العقلية فاقت كلَّ تصور مكَّنته من إشغال أكثر من وظيفة في أماكن عدة بنفس الوقت!!!
فإن كان شيخا ملماً بالأمور الشرعية، تجده في دار الإفتاء ودار القضاء، و مدرساً في المعاهد الشرعية، وشرعياً لفصيل ما.
وإن كان طبيباً تجده عضوا في جمعية طبية، وطبيباً في مشفى، ورئيسا في نقطة طبية.
وإن كان متخرجاً من جامعة بصورة لامعة، تجده إدارياً في جمعية إغاثية، ومدرسا ومديرا في مدرسة ما.
وأمَّا إن كان إعلاميا فتجده متشعب الصلات بين عدة وكالات وقنوات، يراسل ويقدم التحليلات السياسية والمداخلات الإخبارية، ويلتقط الصور لينتج أفلامه الوثائقية.
وربَّما مزيج ذلك كله تكوين رأس مال من خلال أعماله تلك، فيغدو تاجرا يزاحم التجار برأس ماله المتدفق.
إنَّ الله على كل شيء قدير، يعطي من سعته علماً ومعرفة وعقلاً، يسمح لهؤلاء بقدراتهم الفذة أن يعملوا بعقولهم في عدة أماكن وتخصصات، ولكن كيف يحضرون جسدياً في عدة أماكن معاً؟!
كلُّ هذه الأمثلة ولربما غيرها باتت واقعا ملموسا لأشخاص يشغلون عدة وظائف معا، فتتراكم الأموال وتتكدس في جيوبهم، وغيرهم يصارع الأهوال، والأكثر من ذلك تجدهم ليلاً على الصفحات الفيسبوكية يكيلون الاتهامات لكل شاب هاجر وهرب خارج الوطن بحثًا عن لقمة عيش تقيه شرَّ المسألة، ويتهمون الثوار بالتخاذل إن خسروا نقطة ما.
فهل فعلاً خرج هؤلاء لرفع شعار: هي لله هي لله لا لمنصب لا للجاه؟!
قد يتهمني البعض بالغيرة والحسد تجاه من يعمل عدة أعمال معاً، وربما يشبحني ….
وقد يتبجح البعض بأنَّ كلَّ عمل من الأعمال التي يشغلها لا تعود عليه إلا بالقليل وبالتالي يحتاج إلى أكثر من عمل لكي يعيش في ظل الغلاء الفاحش، أسوة بمدرائه القابعين في دول الجوار، الذين يأخذون أعلى الرواتب وهو لا يناله إلا القليل، وإذا اعترض عليهم يهددونه بالفصل …