ما يكسر القلب أن تخرج حرةٌ من الغوطة الشرقية أمام الكاميرات تستجدي العالم الأصم من أجل الخبز، وتتسابق إلى جانبها امرأة أخرى بعفوية ملؤها القهر من الحرمان والظلم تحاول أن تشرح للرأي العام ما هو أعمق من وجهة نظرها، حيث إنَّها طالبت بالغذاء قبل الدواء لتتمكن من تناول دوائها.
يتقاطع زمنياً مع هذا المشهد معارك طاحنة بين فصائل الغوطة الشرقية التي راح ضحيتها أكثر من 300 مقاتل قُدموا على طبق من ذهب خدمة لإيران وبشار الأسد وبالمجان، وعلق على ذلك كثير من الموالين بقولهم: ” الله يزيد ويبارك “
أطراف اتهمت بعضها بالبغي والعمالة والتبعية، وتداعت ظاهراً لتحكيم الشرع والقرآن، وفيما بينها عملت سراً على تجييش مقاتليها وتقديم تبريرات واهية على أهمية إقصاء وتدمير الطرف الآخر
مسرابا ودوما وزبدين كلها بلدات باتت إقطاعات مقسمة بين ذاك الفصيل وغيره، تخضع له فيها من كافة النواحي، سرعان ما غدت أبواب الاقتتال والتصفيات، وبدأ أهلها يذوقون ما كانوا يخشونه من النظام على أيدي حماتهم المفترضين، تهجير وقتل ودمار وقصف متعمد بين أمراء الطوائف الجدد!
لم تعد تبريرات القادة والشرعيين تنطلي على أهل الغوطة والمجاهدين الصادقين الذين يساومون بين القتال والطاعة العمياء، أو الفصل والحرمان من الحصة الغذائية والمرتب المعاشي، وبناء عليه غدا قتال أكثرهم مجبرٌ أخوك لا بطل.
لم تعد تهمُ البغي والتطرف وغيرها ذات معنى لدى أحرار الغوطة، فكلها عناوين عريضة لغايات شخصية ومصالح ضيقة، فأبناء الشرعي الفلاني لفصيل ما هم ليسوا جوعى ولا مرضى ولا عراة، كما أنَّه قدس الله سره قد مُلئت بطنه ممَّا لذَّ وطاب، وبدأ يعمل عقله في الحفاظ على مسببات نعمته هذه.
إنَّكم قرى لا تتجاوز مساحتها مئات الكيلو مترات، تتناحرون على سلطانها وتسفكون دم من هم في أمانتكم من أجل مناصبكم ونهمكم في وقت يحشد فيه النظام ليسحقكم جميعاً بعد أن قدمتم له واقعاً كان يصعب عليه أن يحلم به حتى بأحلامه.
فقد قدمتم له نموذجاً مصغراً يطرحه للرأي العام في الداخل والخارج عن صراعاتكم الدنيئة على عدة قرى وأنفاق، فكيف تنشدون دمشق الحضارة؟ وكيف ستحكمون بلداً بموارد وطاقة ومطارات وموانئ ونفط وغاز؟ …
أي شرع تؤمنون به يمكنكم من قتل طبيب أنقذ أرواح المئات منكم ومن المدنيين؟! أي تحكيم تنشدونه يقضي بتهجير الناس وهدم منازلهم؟! … إنَّه شرع الأنفاق والنفاق يا قادة.
إنَّها تجارة الدنيا التي تسعون ورائها، تفسد عليكم آخرتكم، إنَّها الثورة التي بدلتموها إلى ثروة، إنَّه الجهاد الذي بدلتموه إلى سلطة وعناد، إنَّه الإسلام الحنيف الذي أخذتم منه ما هو على مقاسكم وما يخدم مآربكم، فأظهر لنا قبح ضمائركم وخفايا سرائركم التي ألبستموها الدين.
إن لم تستيقظوا من غيكم هذا سيأتي من يوقظكم نحراً وسحباً، وسيجمعكم كما قالها مجاهد غصباً في سجن تتحاسدون فيه على مكان الجلوس وفتات الخبز؛ لأنَّ الأرض بسعتها ورحابتها لم تكفكم.
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)) (94)) [النساء]
هذا لمن أدركته سيوف المسلمين وأسلم قبل أن يلاقي مصرعه ببرهة، فكيف برفيق الخنادق وأخوة الإسلام ووحدة الهدف والمصير؟! …
إلى كل من حمل القرار وأمسك السلاح
إنَّ الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) [النساء: 93] وكفى بالجبار رقيبا وحسيبا.