حمزة العبد الله |
تستيقظ أم أحمد (60 عاما) صباح كل يوم على صياح ديك جيرانها، وأشعة الشمس الخفيفة المنسابة إلى سريرها من داخل فتحة في سقف منزلها العتيق، تصلي الفجر وتبدأ عملها الذي تحبه، والذي تربت عليه ألا وهو صناعة التنور.
بدأت “أم أحمد” بهذه المهنة منذ أكثر من 20 عاما حينها كان الطلب عليه كثيرًا، وهي حرفة تعلمتها من والدها، حيث كانت تصنع قرابة ستة تنانير في الأسبوع.
وعن طريقة صنع التنانير تقول: “أخرج باحثة عن أحجار سوداء بركانية هشة لطحنها، ثم أقوم بانتقاء الأحجار الصغيرة والكبيرة بواسطة الغربال، وبعدها أضع الماء فوقه، وأقوم ببنائه بشكل دائري بدءًا من قاعدة إسمنتية، وأدوره حسب التقدير، وأتركه لمدة أربعة أيام ليصبح قاسيًا، حيث أضع أكياسًا كبيرة فوقه ثم أجهز الطين حتى يصبح قابلاً لوضعه عليه، كما أنه يوجد ثلاثة أنواع: الكبير والوسط والصغير”.
يعدُّ التنور بمنزلة الفرن الآلي في أيامنا هذه، فقبل سنوات كان الأهالي في مدينة كفرنبل يعتمدون عليه في تأمين الخبز، لا سميا وأن المدينة لم تكن تملك سوى فرنًا واحدًا، لذلك لا يمكن أن يخلو منزل منه في السابق، واليوم بقي حاضرًا في منازل كفرنبل يرسم صورة تراثية واضحة، بخبزه ذو اللذة والنكهة الفريدة من نوعها، وهو ما دفع الأهالي للتمسك به.
مكانة التنور في قلوب الأهالي
تستذكر “أم أحمد” أيام شبابها وما سمتها بحفلات الخبز، بالاشتراك مع قاطني الحي، وفي رأسها صورة “أبو حميد” محملاً حماره بالحطب، وصديقاتها، وتسهب في حديثها: “كانت صحون السمسم والفلفل الحار تفترش أطراف التنور، ثم نجهز الفلفل الأحمر لدهن بعض أرغفة الخبز، قد نؤمن ما يكفي من الخبز ليوم أو يومين، وبعد أن ننتهي من صنع العجين أكون قد انتهيت من صنع “الكارة”، وهي عبارة عن قطع من القماش، يقمنَ النساء بتجهيزه على مبدأ الكف، بحجم أكبر، يتم تخييطه ويجعلون له ممسكًا ليستطعنَ التحكم به لوضع رغيف الخبز داخل التنور.
“التنور هو سراج مضيئ داخل قلوبنا”، هكذا وصفه “أبو عمار” وتابع: “كنا دائما أنا وإخوتي نجهز الحطب، لكي نقوم بإشغال التنور، وكان لتجمع العائلة حوله جو خاص، حيث نتبادل الأحاديث ونستمتع بوقتنا، منتظرين “البلالة” رغيف الخبز الذي كان يوضع على الكارة، ويوضع فوقه الخبز الأحمر المغمس بالفلفل الحار، ما يكسبه طعمًا نادرًا، كما أن بناتي وأولادي ما زالوا يعتنقون عادات وتقاليد المنزل في كفرنبل المترسخة في عقولهم، فكم تسرني رؤيتهم مجتمعين حوله كما في الأيام الخوالي، وأتمنى أن يبقى ويتذكره الجميع ويتناقلونه جيلاً بعد آخر”.