مقرفُ ما يتم تداوله في الدراما التي حملت اسم “غرابيب سود” المسلسل الذي أخذ عنوانه من القرآن الكريم بدون أي تناص معنوي مع تفسير الآية التي اجتزئ منها، ليلصق معنى التطرف بالقرآن ككل، ويعمل على تشويه الدين الإسلامي بدلاً من محاربة الفكر الداعشي كما يدعي القائمون عليه.
يروج المسلسل لجهاد النكاح وكأنَّه حقيقة في فهم المتطرفين، متجاهلاً أنَّ جهاد النكاح لم يكن إلا كذبة روجتها قناة الميادين ومن بعدها إعلام النظام السوري، دون أن يكون لها أي أصل على الإطلاق عند أكثر الحركات الدينية تطرفاً التي يجب ألا تلصق بها صفة الإسلام في التعاطي الإعلامي الذي من المفترض أنَّه ينتج عن دول “مسلمة”.
المسلسل مليء بالاستشهاد القرآني في كلِّ مواقف الجريمة التي ترتكبها داعش، ويساق الاستشهاد بسلاسة على أنّه فهم ديني رائج، لكي يلصق التطرف بالدين الإسلامي في عموميته، وليس في جماعة لديها فهمها الخاطئ للدين، ولا يبرز حتى الآن الفهم المغاير الذي يبين الإسلام على حقيقته في مواجهة الفهم الداعشي إذا كان فعلاً يهاجم داعش وليس الإسلام.
مثل هذه الإعمال التي تروج في الأصل لأفكار غير حقيقية مستغلة أنَّها تواجه كيانات مجرمة، تعمل على جعل التطرف أكثر انتشاراً، والأساليب المفبركة حقيقية مع الزمن لأنَّها تصنع لها مشروعيتها في الترويج الإعلامي الذي يستغله متطرفون جدد من أجل إقحامه في تعاليم جماعاتهم. وتصبح شيطنة الأديان أمراً رائجاً بدلاً من محاربة من يسيئون إليها.
المسلسل يوصل فكرة مفادها: أنَّ الدين الذي يحوي كلَّ هذه الإمكانية في الفهم الخاطئ غير جدير بالاتباع، ويسعى لشيطنة كلِّ المسلمين على أنَّهم أتباع شهوات مكبوتة يروون في هذا الفهم المتطرف تنفيساً لرغباتهم فيسعون للانضمام إليه.
مثل هذه الأعمال من المفترض أن ينتجها أعداء الأمة الأكثر تطرفاً، فضلاً عن الأعداء التقليديين، وليس قنوات ومؤسسات إعلامية من المفترض أنَّها تتبع دولاً تقدم نفسها على أنَّها الراعية للإسلام، وكلّ ذلك بحجة محاربة الإرهاب، بينما تتم صناعة أساليبه باحترافية عالية.
سأدعو لمتابعة هذا العمل حتى نعرف فقط كمسلمين حجم التحدي الإعلامي الذي نحارب به من أنفسنا بدلاً من أن نتصدى لمواجهة الآخرين، مع التحفظ على “أنفسنا” كثيراُ، فنحن نعرف جيداً مهما حاولنا التجاهل أنَّ صانعي هذا النوع من الدراما وداعمي الإرهاب وأعداء الدين الإسلامي هم أوجه لهرم واحد.
المدير العام | أحمد وديع العبسي