حسن كنهر الحسين |
تُعدُّ محافظة إدلب بشكل عام ومدينة (كفرنبل) على وجه الخصوص، مقصد الكثيرين من الأشخاص حول العالم للحصول على لوحات الفسيفساء التي طالما عُرفت بها المحافظة من خلال اللوحات المتميزة التي يتم نسجها من خلال رصف الحصى الملونة جنبًا إلى جنب على مادة لاصقة للخروج بمنظر فني أو شخصي أو هندسي أو طبيعي.
يتم الحصول على تلك الحصى من خلال مناشر حجر خاصة تقوم تقص الكتل الحجرية الملونة إلى حصى مربعة صغيرة طول الواحدة منها 1 سم، إنشاء العديد من اللوحات الفنية بأحجام مختلفة بحسب الطلب، ويتم تصدير تلك اللوحات إلى دول مختلفة عن طريق الأراضي التركية.
اصطدمت تلك المهنة مؤخرا بجملة من المشاكل والصعوبات التي أدت الى توقف غالبية ورش الموزاييك المنتشرة في الشمال السوري أو تقلص عملها بنسبة كبيرة مقارنة بعملها سابقًا، الأمر الذي انعكس سلبًا على العاملين فيها نتيجة تركهم للعمل.
يقول (عمار الإسماعيل) أحد أصحاب تلك الورش: ” بدأت المشاكل تتفاقم يومًا بعد يوم متمثلة في إغلاق كافة المعابر وظهور جائحة كورونا التي أدت إلى شلل حركة التصدير عالميًا، وبالتالي عدم القدرة على شحن لوحات الموزاييك إلى الخارج، حيث كنا نقوم بتصدير لوحات الموزاييك لعدد كبير من المعارض العالمية وخاصة الأردن ولبنان وأمريكا وإيطاليا وغيرها من الدول، وبعد توقف حركة التصدير انخفضت نسبة الطلب على لوحات الموزاييك بنسبة 80% ، ويقتصر عملنا حاليًا على طلبيات صغيرة لبعض الأشخاص، كنت سابقًا أقوم بشحن قرابة الـ 100 متر شهريًا، أما الآن انخفضت النسبة إلى 2متر في الشهر الواحد ودون السعر الرسمي”.
ويتابع: ” تبع تلك المشكلات حملة النزوح التي أدت إلى تشتت العمال كل في بلدة، وسيطرة قوات النظام على مناشر الحجر المنتشرة على طريق حلب-دمشق، وخاصة مناشر بلدة (خان السبل)، التي كنا نقوم بتأمين الحصى الملونة من خلالها لوجود آلات خاصة بقص تلك الحصى وفق مقاسات موحدة”.
مشاكل خارجية تزامنت مع صعوبات داخلية حالت دون استمرار عمل تلك الورش الموزعة على محافظة إدلب، فبالإضافة إلى مسألة التصدير وجائحة كورونا يواجه أصحاب تلك الورش صعوبات جمة تتجلى بارتفاع أسعار الأدوات وتأمينها، وفي مقدمتها تأمين الحصى الملونة لعدم وجود مناشر في الشمال السوري تختص بقص أحجار الموزاييك، حيث يتطلب قصّها مهارة وآلات تختص بقطعها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد اللاصقة وغيرها من المواد التي يتم استخدامها في إنشاء لوحات الموزاييك.
يقول (عمار إسماعيل): ” كنا سابقًا نقوم بتأمين الحجارة من أحد مناشر الحجر في بلدة (خان السبل)، وبعد احتلالها من قبل قوات الأسد اضطررنا لشحنها من منطقة (عفرين) بثلاثة أضعاف سعرها السابق، ما زاد علينا أجور شحنها، والأمر ذاته بالنسبة إلى باقي المواد، حيث تضاعف سعرها 150%”.
وبحسب (محمد الحمادي) أحد إداريي شركة (إيبلا العالمية لصناعة الموزاييك) “يوجد أكثر من خمسين منشأة لصناعة الموزاييك في محافظة إدلب بين شركات وورش ومشاغل صغيرة، منها خمسة عشر مشغلًا في مدينة كفرنبل، ومتوسط العاملين في كل مشغل 15 عاملًا، حيث يوجد في شركة (إيبلا) فقط 150 عاملا متوزعين بين حرفيين ومصممين ورسامين وعمال قصاصة وكادر إداري للشركة، فضلًا عن مزاولة الكثيرين من الأهالي لتلك الحرفة في منازلهم بعد الاتفاق مع أصحاب تلك الورش، ويعمل ذلك النوع بالمتر المربع، وتتراوح أجور العامل في المشاغل ما بين الـ 100 $وحتى الـ 300$ وذلك تبعًا لطبيعة العمل ونوع اللوحة ومدى الحرفية التي يتمتع بها كل عامل.”
توقف عمل الموزاييك في الشمال السوري وضع أولئك العاملين ضمن دائرة البطالة التي تتسع يومًا بعد يوم، يقول (محمد المنصور) من كفرنبل، معيل لثلاثة أطفال: “كنت سابقًا أعمل في أحد مشاغل الموزاييك الموجودة في البلدة، وكنت أغطي من خلال ذلك العمل مصاريفي اليومية، وبعد حملة النزوح وتوقف تلك الورش عن عملها، زادت عليَّ أعباء المعيشة بعد توقفي عن العمل، وزاد الوضع سوءًا أعباء الأجور الشهرية”.
أما (عثمان) الذي كان يجد في عمله فرصة للزواج بعد بلوغه الـ 27 عامًا، أما الآن فقد ترك الفكرة بشكل كامل بعد توقفه عن العمل، وأصبح يفكر بالعبور إلى تركيا للبحث عن عمل آخر، وفق قوله.
تلك الصعوبات دفعت أغلب أصحاب ورش الموزاييك لنقل أعمالهم إلى تركيا للتخلص من المشاكل المتلاحقة التي أدت إلى شلل عملهم بشكل كامل.
(عبد العزيز السلطان) أحد أصحاب تلك الورش التي قامت بنقل أعمالها إلى تركيا في الفترة الأخيرة يقول: “بعد توقف عملنا في الداخل السوري اضطررنا لنقل عملنا إلى داخل تركيا، حيث تتوفر المواد اللازمة للعمل، ويوجد سوق تصريف
واسع لأعمالنا، والكثير من المعارض الدولية التي نقوم بمشاركة أعمالنا خلالها، كما أننا اختصرنا العديد من المشكلات التي كانت تعرقل عملنا”.
يفتقد الشمال السوري لصناعة الفسيفساء التي لطالما اشتهر بها نتيجة جملة من العقبات التي باتت تعرقل استمرار تلك المهنة مُخلِّفة عشرات العاطلين عن العمل لينضموا إلى رقعة البطالة التي تتسع يومًا بعد يوم.