استطلاع
بقلم عائشة الكرمو
لم تخلو منطقة في مدينة حلب المحررة ولا ريفها إلا وكثف النظام المجرم مع حلفائه الروس القصف بالطيران الحربي الغاشم عليها، وفي هذه المرة يتصدر ريف حلب الغربي المشهد المألوف، فالأسلحة المحرمة دوليا تتساقط من طائرات الحقد بكثافة غير مسبوقة عليه، ليكون له قسم كبير من المعاناة في جميع جوانب الحياة.
حيث لم يترك هذا القصف العشوائي مسكناً للمدنيين ولا مركزاً طبياً ولا إغاثياً ولا حتى المدارس مرتكباً بذلك أكبر عدد من المجازر، وقد دفعتني مشاهد المجازر اليومية لأصف ما آل إليه أهالي الريف الغربي.
تقول إحدى الأمهات بغصة ودموعها تنهمر على وجنتيها في مجزرة على الطريق الرئيسي لبلدة أورم الكبرى: “عصف بي هواء شديد أوقعني أرضاً، وصوت خرق جدار بطني ليصل إلى جنيني ويفقده حياته، كان ذلك عند ذهابي لزيارة والدي المصاب بالقصف الروسي، لم أكن أعلم بأن ذهابي سيفقدني جنيني، قصفنا الطيران الروسي بستة غارات متتالية وأحدث مجزرة مروعة وكبيرة، ومن ثم وجدت نفسي في منزلي وقد أجهضت الجنين” كلماتها ووصفها الدقيق ودموعها حركت داخلي ثورة جديدة، لقد مات هذا الجنين ليكون شهيدا على جريمة جديدة للنظام، ففي كل يوم يسجل له التاريخ ممارساته الإجرامية التي لا تغتفر في تقطيع أوصال الناس وقتل الربيع العربي ليضيفه إلى قائمة طغاة العالم (فرعون، نمرود، هامان،… وغيرهم)، لا بل ليرأسه عليهم وينال بطغيانه المرتبة الأولى.
ويا ليت هذا القصف ترك المشافي والمراكز الطبية، أو حتى مستودعات الأدوية، إلا أنه أول ما حاول قصفه هي المراكز الإنسانية ليترك الناس دون علاج، فالذي لم يمت مباشرة يمت بسبب عدم وجود أي مكان لعلاجه، هذا إن استطاعوا أن يخرجوه من تحت الأنقاض بعد أن استهدف الطيران مراكز الدفاع المدني، يقول أحد عناصر الدفاع المدني: “بعد ما قصف مركز الدفاع وتدمرت معظم الآليات، أصبح يصعب علينا إنقاذ المصابين، ونحتاج لبذل جهود كبيرة لإنقاذهم، غير أن العاملين بالدفاع قد استشهد منهم عدد ليس بالقليل ” شيء طبيعي جدا بأن يقصف الدفاع المدني لأن ما يهدف إليه النظام بفظاعته هو قتل الإنسانية.
لقد أسفرت هذه الهجمات الشرسة إلى إغلاق المحال التجارية، فلم يعد الباعة يستطيعون متابعة عملهم بسبب القصف الممنهج، يقول أحد الباعة: ” قصف محلي واحترقت بضائعي، كان نتاج هذا المحل هو الدخل الوحيد لعائلتي، ولا أملك القدرة لفتح محل ثانٍ]” ويقول آخر ” أغلقت متجري لأنني لم أعد أستطيع تأمين البضائع، فأسواق الجملة لا أحد يذهب إليها، لأن الطيران يستهدف كل التجمعات”.
كل ذلك يعود بالمعاناة إلى المواطنين الذين يعانون من تأمين حاجاتهم اليومية، والذي يستطيع تأمين شيئاً منها يجدها بأسعار مرتفعة، إن الحياة التي يعيشها المواطنون اليوم في الريف الغربي كأنهم يعيشون الحصار إلا أنهم يعيشونه بصورة أخرى تماماً.
كل هذا يحصل ولا يزال العالم العربي والإسلامي أصماً لا يسمع، عمياً لا يرى، أبكماً لا يتكلم، ولا يزال يُخذل هذا الشعب الأعزل، ويضع يديه فوق بعضها ليجلس جلسة لا حراك فيها، وينتظر ما تقوله وتقرره أمريكا بشأن هذا الشعب.
أما آن الأوان بأن تخلع تلك النظارة السوداء التي لا يرى من خلالها سوى ما يعرضه الغرب لنا؟ أما حمي الوطيس بعد لترى حقيقة الغرب الخفية؟ لقد آن الأوان أيها القيادي لأن نغسل عار فرقتنا ونأخذ حقنا بأيدينا، وألا ننتظر العالم المنشغل عنا وفينا ليقتل المزيد منا ويهتك عرض أمتنا، فلننهض لنرفع الذل عن أكتافنا ونرمي كل أوزارنا التي حملناها في خضوعنا للغرب.