ترجمة: ضرار الخضر
أججت ضربة الرئيس ترامب بصواريخ كروز على قاعدة سورية مشاعر جناح الصقور في الحزب الجمهوري بقيادة أعضاء في مجلس الشيوخ، مثل جون ماكين وليندسي جراهام، الذين طالبوا منذ زمن بعيد بعمل عسكري في سوريا ليس لعقاب نظام بشار الأسد فحسب وإنما لإرسال رسالة للبلدان المعادية، فعندما لا تتصرف أمريكا فإن الأمور تسير على نحو يتوتر فيه حلفاؤها ويتجرأ فيه أعداؤها.
لكن هذه المرة زادت الضربة من تجرأ خصوم أمريكا، فالعالم ازداد خطورة بعد ضربة ترامب الصاروخية، ولا يلوح في الأفق متى ستقل هذه الخطورة.
ولنبدأ بروسيا حليفة الأسد والتي كانت قواتها متواجدة في المطار الذي قصفناه -رغم أننا حذّرناهم من الضربة مسبقاً-، فالعلاقات مع موسكو التي تعهّد ترامب بتعزيزها في البداية لتحقيق المصالح المشتركة بقتال الراديكالية الإسلامية، هوت الآن إلى أسوء درجاتها منذ الحرب الباردة، ولا أدلَّ على هذا من المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية ريكس تيلرسون مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الأربعاء الماضي فقد ظهر الرجلان مذهولين وكأنهما ينظران إلى شبح، وقال تيلرسون: “مستوى الثقة منخفض بين بلدينا، وهذا بالمقام الأول لا يليق بقوتين نوويتين”.
وهذا التوتر الواضح كان يمكن أن يكون مقبولاً لو أن بوتين عدّل سلوكه في سوريا، لكنه لم يفعل؛ فموسكو تواصل دعمها المحموم للأسد، فقد استخدمت روسيا حق النقض الفيتو الأسبوع الماضي ضد قرار للأمم المتحدة يدين الهجوم الكيميائي لنظام الأسد، وبعد ضربة ترامب بأيام قصفت الطائرات الروسية بلدة في شمال غرب سوريا بالقذائف الحارقة، ويؤكد الخبراء السياسيون أن الروس يعبّرون عن موقف سياسي مفاده أن روسيا تفعل ما تشاء في سوريا، والحقيقة هي أن روسيا يمكنها أن تتصرف بمفردها في سوريا أفضل من أي دولة أخرى لأنها رسّخت أقدامها هناك أكثر من الجميع، من خلال أنظمة صواريخ إس 300 و إس 400 المضادة للطيران وآلاف الجنود ومن خلال توسيع قاعدة طرطوس البحرية، ولذا فلن تغير عشرات صواريخ التوماهوك شيئاً من هذا.
إيران هي الأخرى مضت تعزز تحالفها مع روسيا والأسد وأعلنت في بيان مشترك مع روسيا أن الولايات المتحدة خرقت خطاً أحمر، ومن غياهب السياسة الداخلية الإيرانية برز مجدداً خصم قديم هو محمد أحمدي نجاد الأصولي المناهض لأمريكا، الذي أعلن الأسبوع الماضي ترشحه لانتخابات الرئاسة الإيرانية مجدداً، وتوقيت ظهوره بعد أيام فقط من الضربة على قاعدة الشعيرات الجوية يحمل في طياته دلالات، فإيران التي تندفع للقتال دفاعاً عن الأسد تكنُّ كراهية راسخة للولايات المتحدة تتبدى في سياستها الداخلية والخارجية، ومن المحتمل أن يكون أحمدي نجاد والمتشددين الإيرانيين من أكبر المستفيدين من سياسة ترامب في سوريا.
أما السياسي السيناتور مكرو روبيو وهو نائب ومحام أمريكي وعضو في مجلس النواب الأمريكي من الحزب الجمهوري منذ سنة 2011، ومرشح للرئاسة الأمريكية في الانتخابات الأمريكية 2016، فقد قال عن الضربة الصاروخية: “أعتقد أن الرسالة وصلت إلى كوريا الشمالية”، ستكون هذه أخباراً عادية عند الكوريين الشماليين الذين هددوا مؤخراً ببدء “حرب نووية” ضد الولايات المتحدة، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعاً من إعلام بكين الحكومي بعد طلب ترامب من الصين ممارسة الضغط عليهم، لكن رغم هذا تبدو بيونغ يانغ أشد تحدياً من أي وقت آخر، بل وأشد خطورة.
ترامب الذي فاز بأصوات كل من الناخبين المحافظين والطبقة العاملة البيضاء العام الماضي بعد وعوده بالتخلي عن مغامرات خارج الولايات المتحدة والعمل لبناء الدولة داخلياً، ورّط نفسه في حرب جيوسياسية أكبر من التي واجهت سلفه أوباما أججتها الضربة على سوريا وكانت بمثابة صب للوقود.
كيف حدث هذا؟ كما أوضح عالم السياسة الخارجية ميكا زينو فإن العمل العسكري المحدود ليس فعالاً لتحقيق التغيير السياسي المطلوب، وكما يستجيب الأمريكيون عند الهجوم على مصالح وطنهم بإيقاظ الروح الوطنية ومجابهة التحدي كذلك تفعل الحكومات الأخرى فتنتفض بوجه العدوان الخارجي بدلاً من أن تصبح أكثر مرونة.
وحرب العراق خير مثال على هذا؛ فبعد سقوط صدام حسين أعلنت كوريا الشمالية عن برنامجها النووي وسرّعته، وإيران تغلغلت في العراق وتعاونت مع الميليشيات هناك لمهاجمة القوات الأمريكية، وسوريا أمنت ملاذاً آمناً للمتشددين العراقيين.
هؤلاء المستبدون لم يردعهم استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية المفرطة وإنما ازدادوا جرأة.
أما المنتصرون الحقيقيون بعد انتهاء عهد صدام فقد كانوا المتطرفين السنة الذين استفادوا من وضع الفوضى في العراق ليعيدوا إنتاج أكثر الجماعات تطرفاً عبر التاريخ وهي القاعدة في العراق والتي باتت تُعرَف الآن باسم الدولة الاسلامية.
إنه ليس التغيير المطلوب الذي وعد به ترامب، فكم مرة يجب أن نعيد نفس الأخطاء قبل أن نعيد التفكير في تغيير سياستنا الخارجية.
صحيفة هنفغتون بوست
الكاتب: ماثيو بربل الزميل في لجنة الدفاع الوطني الأمريكية