عبد الملك قرة محمد |
أصوات رصاص صاخبة، نيران تزيد ظلام الليل ولا تنيره، لا تعرف أهي رصاصات فرح أم نزاع في الحي؟
علينا أن ندرك أنّ استخدام السلاح في الأفراح لا يقل خطورةً عن استخدامه في النزاعات الشخصية، فقد أصبح إطلاق النار في الأعراس عادة شعبية من باب التماهي مع تقاليد المجتمع والتباهي أمام الناس، وأسلوباً يعكس مدى امتداد مظاهر العنف في مجتمعنا.
إن انتشار الأسلحة في أيدي المدنيين أحد أخطر المشكلات التي أفرزتها سوء الحالة الأمنية وغياب السلطة العليا التي تستطيع ضبط السلاح وتوجيهه وترخِّصه.
لماذا يطلق الناس النيران في الأعراس هل هو من باب الإفساد؟ بالتأكيد لا بل من باب الفرح والمشاركة، لكن ألا يوجد سوى هذا الأسلوب للتعبير عن الفرح؟ ألم نقتنع بعد أن الرصاص العشوائي في الأعراس هو الشعرة الفاصلة بين الموت والحياة وبين الحزن والفرح؟ وأيّ فرح هذا الذي نريده بأداة الحرب وصوتها المؤذي للآذان والمؤذن بالأحزان؟
هذا الرصاص الذي تطلقونه في الأعراس والأفراح ليس طائشاً بل ذكياً تطلقونه إلى السماء فينزل مقذوفه نحو الأرض على رؤوس المدنيين فيحاول معاقبتكم باختيار ضحيته بدقة لعل ذلك يخلق فيكم قليلاً من الندم والحذر.
في قرية السحارة في ريف حلب الغربي طبيب جرّاح في بلدٍ قلّ فيه الجراحون، “محمد ديبو” أصيب في كتفه بمقذوف رشاش من نوع \PKC\ في أحد الأعراس اخترق عضلة القلب، فتوفي الطبيب على الفور وتحول الفرح إلى حزن ليس للقرية فقط، بل لكل المناطق المحررة بفقدانها لطبيب يشهد له بالخبرة.
الأستاذ (محمد خليل) أحد أعضاء مجلس بلدة السحارة قال لصحيفة حبر: “هذه ليست الحالة الأولى فقد أُصيب سابقاً المهندس (أحمد ربيع خليل) من بلدة السحارة بمقذوف من أحد الأعراس في قرية دير حسان استقر بالحوض بجوار العمود الفقري ممَّا كاد أن يؤدي إلى الشلل.”
وعن جهود المجلس للتخفيف من هذه الظاهرة يقول الأستاذ محمد: “اتبعنا أسلوب التوعية عن طريق خطباء المساجد والتواصل مع وجهاء القرية وبرامج التواصل الاجتماعي، وكنا دوماً نهيب بخطر إطلاق العيارات النارية، لأن لكل عيار ناري مقذوف سيسقط وربما يتأذى أحد ما به، وأن إطلاق العيار الناري لا يعبر عن الفرح وربما يلقبه إلى كارثة”.
تواصلنا مع شرطة إدلب الحرة للتعرف على مخاطر هذه الظاهرة وجهود الشرطة لمنعها ومعاقبة مرتكبيها.
(حسين الحسيان) المسؤول الإعلامي في شرطة إدلب يقول: “أطلقنا حملة (لا تقتلني بفرحتك) للتحذير من خطر هذه الظاهرة التي يمكن أن تسبب مأساة للآخرين، والحملة ما زالت مستمرة في كل مراكز شرطة إدلب، كما وزّعنا منشورات ورقية في كل البلدات والمناطق تدعو إلى وقف هذه الظاهرة لحماية الناس من خطرها.”
يضيف الأستاذ (حسين) عن الأساليب الوقائية المتبعة: “قامت بعض مراكزنا بتوزيع هدايا للذين لا يقومون بإطلاق النار في أعراسهم، وعلى الجهود أن تتضافر لنزع السلاح من أيدي المدنيين الذين يفسدون أفراح الآخرين بنيران أسلحتهم”.
يحضرني في هذه اللحظة بطاقة دعوة إلى أحد الأعراس السورية كُتب في نهايتها: “هديتكم لنا عدم إطلاق النار” وكأن هذه الجملة تحمل معنى آخر هو أن سعادتنا أمانة بأعناقكم فلا تفسدوها ببنادقكم.