تتوالى الأعوام سراعاً، ويتساءل الكثيرون: ما الذي حققناه بعد سبع السنوات؟! هذا ما يجرى حاليا على ألسنة المتشدقين بعد أن كانت في الفترة الماضية بحالة خرسٍ تام، أو لنقل كانت بحلة رمادية اللون تنتظر الكفة الراحجة حتى تبدل لونها وتندمج مع الأقوى بغض النظر عن الحق أو الباطل.
من جانب آخر، ما الذي اكتسبناه نحن أصحاب الرأي والحرية، وصناع الثورة والتغيير بعد سبع سنين من الحرب والصراع ذاق لوعتها الصغير قبل الكبير؟
هل وجدنا ما وُعِدنا حقاً؟! أم أننا هُزمنا وتلاشت أحلامنا وضاعت تضحياتنا سدى وعشنا ظروفاً مزرية جعلتنا نترحم على أيام النظام وحكمه وأمنه؟
المذبذبون يريدون أن يحوروا المشهد الثوري ويُلبسوه ثوب الندامة والحسرة، ظانين أنهم على صواب ورأي سديد، حين آثروا الصمت بدايةً ثم انحازوا إلى الجلاد لاحقاً، ولو كانت الضحية من أبناء جلدتهم أو أقرب الناس لهم، فهذا زمانُ “ربي أسألك نفسي”!!
رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع الخوالف ويقعدوا عن حقهم، رغم معرفتهم ذلك ضمنياً لكن من اعتاد الذل ورضى به و َاستساغ طعمه، يصعب عليه أن يرفع رأسه ويواجه سيده.
أما نحن وإن كنا قد تجرعنا المرَّ في سبيل حريتنا فيالَلذّة ما شربنا، ومن ذاق طعم الكرامة لا يمكنه العودة إلى الذل والعبودية من جديد.
طريق الحق هو طريق الخلاص المفضي إلى النور الذي دفعنا له من أرواحنا وأشلائنا، وقدمنا له قرابين من دمائنا دون أن نفكر يوماً بالعودة إلى الوراء، إلى أيام الذل والعبودية وننخرط في القطيع .
إنّ من امتلأت رئتيه بأوكسجين الحرية والكرامة وإن تزاحمت معها رائحة الكلور، محال أن يتنفس ثاني أكسيد الخنوع والترويض الجماعي.
النصر في الثورات لا يقاس بالمكتسبات المادية والغنائم الملموسة، فلسنا قطاعي طرق أو لصوص وطن حتى نرهن نصرنا بالمكاسب، إننا أصحاب حق وأبناء تراب هذا الوطن الذي يغتال كل يوم بمُدية جديدة مستورة من أسواق الذل.
فمكوث البريء في السجن مدة طويلة لا يعني أنه مدان بجريمة لم يرتكبها فعلا، فالمسألة هنا مسألة وقت وصبر، والصمود في وجه الهزائم المتتالية نصرٌ بوجه آخر.
فالحرب بين شعب أعزل وبين مرتزقة مدججين بالسلاح وكل أنواع الحيوانات البشرية… ليست حرب!!!
والحرب بين شعب واحد وبين شعوب المعمورة كلها…. ليست بحرب!
نحن خضنا ثورة عالمية لم يسمع التاريخ بمثلها… وقفنا بوجه الظلم كله والعالم المنافق أجمع، والأصدقاء الخونة جميعا وأبناء جلدتنا وشيوخهم وعشائرهم، وضد مرتزقة الكون ولقطاء العقائد الدينية والسياسية مجتمعين على هيئة حشود جاءت تقتص لذلها وخزيها من أطفالنا ونسائنا.
أين هي الحرب المتكافئة بين الأطراف عندما يواجه طفل بجسده النحيل براميل محشوة بكل أنواع القذارة والخزي، لتجعله أشلاء متبعثرة…؟!
أين هي العدالة عندما تحتشد القوة العالمية وأذنابها على شعبٍ أعزل لاحول له ولا قوة، فتقتل الكثير وتعتقل الكثير وتهجر الكثير ومع ذلك يبقى الكثير الكثير يواجه هذه الحرب اللعينة بإيمانه وصبره وجبروته الذي أصبح محط إعجاب وتساؤل الجميع؟!
إنه الحق الذي يمدنا بالقوة والصبر ويدفعنا للمقاومة دون حساب الخسائر والأموات.
فللحرية بابٌ أحمر، ونحنا ولجناه ولن نخرج منه إلا براية النصر.
واليد التي رفعت علم الثورة وغصن الزيتون قبل أن تحمل السلاح أُريدَ لها أن تقطع، كما حال كل الطغاة الذين يواجهون ثورة الشعوب بالكبت والقمع سالكين شتى السبل الدنيئة، لكن هذه اليد تضرجت بالدماء، وإن بترت آلاف المرات تولد من جديد لتحمل راية الحق والكرامة وتدخل عليهم الباب بمشيئة الله وعونه.
فنحن انتصرنا حينما أخرجنا مارد الخوف من قلوبنا وقلنا للظلم: لا عندما أسقطنا صنم العبودية الأخرق وتداعت بعدها كل الأصنام الأخرى.
هذا هو نصرنا عندما نزرع في صبغيات أطفالنا العيش الحر والكريم، فعندما نترك جيلاً من بعدنا وُلدَ تحت الأنقاض، وعاش في الحصار، وشبَّ بين المعارك محال أن يستعبدنا طاغية آخر أو يلوي أعناقنا ويلجم ألسنتنا، بعدما غدت الحرية في دمنا.