بلال محمود خليفة |
أي عاجل وأي مهم بعد ثماني سنوات قاسيات شكت من هولها الحجارة قبل الإنسان وما زالت مستمرة، ولم تلقَ أدنى استجابة! بهذه الكلمات صرخ أحد الأطفال أمامي بعد سماعه لخبر عاجل عن قتل أطفال مثله في قرية مجاورة لقريته على إحدى القنوات الفضائية!
لم يعد أي خبر في ذهن الأطفال مهما حمل من القسوة والألم جديرًا بأن يكون عاجلًا ومهمًا بعد تعودهم على سماع سيمفونية آلام الطفولة السورية الموجعة وتكرارها على مر السنوات السابقة.
يموت الأطفال السوريون بقصفٍ إجرامي من قبل نظام الدولة الذي كان من المفترض أن يحميهم ويرعاهم، يتركهم قتلى وجرحى ومعاقين فأي مستقبل يصنع للبلاد التي بُترت أطرفها وقُلمت براعمها؟! وأي ثمار تُرتجى من زرع قد أحُرقت جذوره ودمّرت أرضه؟! وأي رعب وخوف على أطفال سورية أن يعيشوه وهم يكبرون رغماً عنهم، في بلاد كل ما تنجبه هو الموت؟!
تسمع خبراً آخر عن أعداد المتسربين مدرسياً من أطفال سورية وحرمانهم من حقهم في التعليم، وخبراً آخرَ عن عمالة الأطفال التي تزداد باطراد، أخبار كثيرة تروي فصول معاناتهم وآلامهم وكأن الحرب لم تحدث إلا للقضاء عليهم …
تسير في الشارع ذاهبًا إلى محال لبيع الأغذية فترى طفلاً عاملاً يبيع الناس، تسأله عن مدرسته فيعبر عن حبه لها إلا أنه مضطر للعمل ليعيل أسرته التي فقدت معيلها. يمكن أن تتخيل هذا المشهد الذي يتكرر في كثير من المحال المنتشرة. كما يمكنك أن تتخيل طفلاً قد تشرّد مع أسرته المنكوبة بعدة نزوحات متعددة بين الخيام والبيوت هرباً قصفٍ يلاحقهم حتى ينتهي به المطاف في خيمة تحت أشجار الزيتون بلا مأوى ولا غذاء.
وتصمّ أذنيك نداءات المؤسسات الدولية والمحلية بأن العديد من أطفال سورية معرضون للخطر في مدينة إدلب والمناطق المجاورة لها، ثم يتركون للخطر المحدق بهم، وللموت الذي يترصدهم، وللمجرم الذي يستهدفهم ويستمتع بقتلهم، وتتحول نداءات حمايتهم إلى استنكار وإدانة لِما يتعرضون إليه من جريمة، وتنتهي الحكاية هنا.. تنزف الورود ويبقى القاتل ضاغطاً على زناد مدفعه يستهدف براعم جديدة.
كل ما جرى بدأ بهم، بكتاباتهم على جدران مدرسة في درعا، وهم يدفعون ثمن حبهم للحرية من قبل نظام أعلن حربه عليهم قبل أي أحدٍ آخر.
يقول أطفال سورية: “نريد أن نحيا” ولك أن تستدل على ذلك من خلال إصرارهم على التعلم والحياة، ولكنها الحرب التي تفعل بالبلاد ما يحلو لها وما تؤثر به على الحلقة الأضعف في البلاد، وهم الأطفال الذين هم في حاجة شديدة ليكونوا أفضل، فيلتحق بالتعليم من لم يلتحق، ويعالج من الأطفال من لم يعالج، وهكذا إلى أن يصبح وضع أطفالنا أفضل وأجمل.
أكلت الحرب من أعمارهم وأثرت على حياتهم وجعلتهم عرضة لكل أذية من أذيَّاتها ولاسيما مع نظام يستهدفهم بالعنف الممنهج.
ربما تكون الدعوة لإنقاذ حياة الأطفال دعوة للفضاء أو لمن يعيش في غير كوكب الأرض، أو دعاء لله مستمرًا، فأهل الأرض أصوات أطفالهم بحت ولم يجيبهم أحد، وأجسادهم تناثرت ولم تراهم قلوب العالم رغم أن شاشات التلفزة وأعين الناس قد ملت هذه المشاهد، فأي عاجل وأي مهم من الأخبار التي تظهر على القنوات والمواقع؟!
لقد بات ما يرونه الناس اعتياديًّا، وأصبح يجلب للبعض مشاكل نفسية فترك المشاهدة.
فأي عاجل وأي مهم بعدما أصبح خبر وفاة السوريين وأطفالهم أنباء يومية، فمن هنا باتت العلاقة بين كلمة عاجل ومفاد الخبر علاقة شكلية ليس لها الأثر الحقيقي.