حسام العبيد |
تركت الحرب التي فرضها نظام اﻷسد ودارت رحاها ﻷكثر من سبع سنوات أثراً على البيوت السورية، بعضها من ذاك النوع الذي يمكن تصنيفه في قائمة المضحك المبكي.
فتعدد نماذج الزيجات، باتت كأنها رواياتٌ خلقتها اﻷساطير، أو نسجتها أنامل الكتَّاب، دون أن تخلو زواياها من حرقةٍ تخالط الفرحة بانتصار كسب المعركة والحصول على “زوجٍ أو زوجة” في أيامٍ خلت من الرجال الذين غابوا تحت التراب أو ضمن الزنزانات.
العصمة ليست بيده!
(عبد الله) كان موظفاً حكومياً، في العقد الثالث من العمر، تزوج نهاية العام 1999م، كانت زواجه إحدى الحالات القلائل التي تثير حفيظة الناس من حوله، فقد ذيل عقد زواجه بعبارةٍ: “العصمة بيد الزوجة” وكان جميع من عرف الحادثة سخر منه، هكذا تحدثت المحامية “نهى” من مدينة دمشق لصحيفة حبر.
وتختم: “عنترة صار عبلة في أعين الناس، هكذا كنا ننعت صديقنا”.
العصمة بيد الزوجة
فيما تزداد خلال السنوات اﻷخيرة هذه الظاهرة في مناطق نفوذ نظام اﻷسد، حتى باتت أمراً اعتيادياً؛ لكن ﻷسبابٍ يعرج عليها المحامي اﻷستاذ “محمد حمامي” وهو اسم وهمي، بقوله: “قديماً لم تكن تلك الحالات إﻻ نادرة، في الوقت الراهن، اختلف الموضوع، فالشاب فارٌ من الخدمة اﻹلزمية إلى إحدى الدول، واﻹجراءات اقتضت التحايل على القانون، لتثبيت عقد الزواج”.
نورهان نموذجاً:
دخلت (نورهان) إلى رواق القصر العدلي بدمشق، تحمل بيدها أوراقاً تثبت حملها بالشهر الرابع، على يمينها محامٍ شاب، ووالد المدَّعى عليه.
رفعت (نورهان) الدعوى القضائية وكسبتها، بعد أن اعترف والد المدَّعى عليه بفعل ابنه المهاجر إلى ألمانيا بطرقٍ غير شرعية، ووافق القاضي على تسجيل العصمة بيدها بعد تفويضٍ قدمته ضمن بعض الثبوتيات من الزوج.
تقول (نورهان) لحبر؛ “لم يكن بيدنا حلاً للتهرب من مسألة موافقة شعبة التجنيد إﻻ تلك الطريقة، بالمختصر العملية كانت من باب التحايل القانوني، لتثبيت عقد الزواج، فخطيبي هاجر قبل أن نستكمل اﻹجراءات خوفاً من سحبه إلى الخدمة اﻹلزامية، لخوض الحرب التي ﻻ يريد أن يكون طرفاً فيها”.
(نورهان) تنتظر فرصةً للسفر إلى زوجها، المقيم حالياً في السويد.
في إدلب اﻷمر مختلف:
لم تسجل في محافظة إدلب الخارجة عن سلطة نظام اﻷسد أمثال تلك الحالات، بل تشهد اﻷمور في هذا الجانب سيراً باتجاهٍ متناسقٍ تماماً مع الحالة القديمة المستقرة، أو على اﻷقل لم يحدث أن تطرق الناس للموضوع عبر اﻹعلام.
وبحسب استطلاعٍ مع عينة بسيطة من الشارع، وتحديداً فئة الشباب في إدلب، تنوعت اﻵراء بين مستهجنةٍ وساخرةٍ من الرجل الذي ينقل عصمة الطلاق إلى المرأة، واعتبر أحدهم أنه سلط العصا على رقبته، وبدّل اﻷدوار، ومن جانبهنّ بعض النسوةِ أبدينَ شيئاً من السعادة الساخرة، واعتبرنَ اﻷمر مخالفًا للعرف والتقاليد، فيما رأى البعض أنّ المسألة أعظم من ذلك وتحتاج رأي الشرع اﻹسلامي.
رأي الشرع الإسلامي:
يقول الشيخ “أنس حشيشو” لحبر: “اشتراط الزوجة عند العقد أن يكون الطلاق بيدها باطل ولا يصح عند أكثر الفقهاء؛ لأنه مخالف لمقتضى العقد، وذلك لأن الله سبحانه قال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}.
ثم يلتفت: “والطلاق فرع عن جعل القوامة للرجل، وبالتالي فإن الطلاق في الأصل هو من حق الرجل، وهذا هو الذي يتفق مع الفطرة، فالرجل هو الراعي للأسرة وبيده مفاتيح الحل والعقد، والرجل أقدر من المرأة في الغالب على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله، وخاصة عندما تقع المشكلات بين الزوجين، ويثور الغضب بينهما….”.
ويكمل الموضوع مفصلا:
1) ذهب الأحناف إلى جوازه إذا ابتدأت به المرأة فقالت: زوجت نفسي منك على أن يكون أمري بيدي أطلق نفسي كلما شئت، فقال الزوج: قبلت.. ويكون أمرها بيدها.
أما لو بدأ الزوج فقال: تزوجتك على أن أمرك بيدك فإنه يصح النكاح ولا يكون أمرها بيدها لأن التفويض وقع قبل الزواج.
2) قال المالكية: لو شرطت المرأة عند النكاح أن أمرها بيدها متى أحبَّت، فهذا العقد مفسوخ إن لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها ثبت النكاح ولها صداق المثل، وألغي الشرط فلا يُعمل به لأنه شرط مخل. يراجع في ذلك الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه.
المسألة الفرعية الثانية:
هي تفويض الزوج لزوجته أن تطلق نفسها بعد العقد، فأكثر الفقهاء على جوازه، ونقل الإجماع على ذلك…
ثم اختلفوا فيما إذا فوضها هل يتقيد ذلك بمجلس التفويض فقط؟ فلو طلقت نفسها بعد ذلك لم يقع، أم أن ذلك يكون على التأبيد ما لم يرجع الزوج؟
القول الأوَّل:
قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته، لأنه تخيير لها، فكان مقصوراً على المجلس كقوله: اختاري.
القول الثاني:
(قول الحنابلة) فقد جعلوا ذلك الحق لها على التأبيد ما لم يرجع الزوج، أو يطأها، وهنا سأسرد قول ابن قدامة في المغني: “ومتى جعل أمر امرأته بيدها، فهو بيدها أبداً لا يتقيد بذلك المجلس”.
ثم رجّح هذا الرأي بقول عليّ رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها: “هو لها حتى تنكل.” قال (أي ابن قدامة): ولا نعرف له في الصحابة مخالفاً، فيكون إجماعاً، ولأنه نوع توكيل في الطلاق، فكان على التراخي كما لو جعله لأجنبي.
المسألة الفرعية الثالثة:
بقي أن نشير إلى مسألة وهي رجوع الزوج عن جعل عصمة الزوجية بيد الزوجة هل يقبل أم لا؟
الراجح أن الزوج له حق الرجوع، وفسخ ما جعله لها، وعندئذ يرجع حق التطليق إليه وحده، ولو وطئها الزوج كان رجوعاً، لأنه نوع توكيل، والتصرف فيما وكّل فيه يبطل الوكالة، وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطُل، كما تبطل الوكالة بفسخ التوكيل.
بكل تأكيد المشهد اﻻجتماعي السوري بات بحاجةٍ إلى إعادة قراءة، مع اختلال القيم القديمة واﻷعراف، لوضعها في سياقها الصحيح.