لم تعد اللعبة السورية تتسع لمزيد من اللاعبين الإقليمين الذين يتشدقون بدور مهم في المسألة السورية فاللعبة باتت لعبةً للكبار فقط، إيران وأذنابها في العراق ولبنان وميليشيات الداخل والخارج جميعهم أدركوا أنهم مجرد أدوات لا ذوات، فالتفاهم الروسي التركي قضى بالتدريج على كل تلك المصالح التي كانت تظهر على العلن لتغطي مصالح أخرى أكثر دقة وأهمية.
النظام لم يستطع رغم كل صرخاته أن يوجه تهديداً فعلياً للقوات التركية التي ساعدت الجيش الحر في تحرير عفرين وراحت تقصف مواقع الميليشيات التابعة للنظام في كل المناطق العسكرية القريبة من مناطق السيطرة الأخيرة، فقضت على إحدى أهم الأدوات التي كان النظام يستعملها وهي العصابات التي ساعدته تحت وعود إقامة دويلة كردية مستقلة وهو ما يعد مستحيلاً نتيجة محاذاتها للدولة التركية.
بالمقابل روسيا تمكنت من إسكات الصيحات الإيرانية التي وقفت في وجه الربيب الروسي الأمريكي “إسرائيل” الساعية لتكون جزءاً فعالاً من مستقبل الحل السوري المزعوم من خلال تقربها المستمر من الدب الروسي من خلال اللقاءات المتكررة بين الجانبين.
الساسة الإيرانيون سيضطرون في الأيام الحالية والمقبلة لطي ونسيان عبارة “لولانا لما بقي الأسد” لا سيما بعد إدراك إيران أنها أداة بيد الثلاثي العالمي (روسيا وأمريكا وإسرائيل) ولولا تسخير أدوات إجرامية في ترسيخ الحكم لما بقي الأسد.
عفرين فتحت أبواباً كثيرة ومتناقضة وأغلقت أخرى منها باب الدولة السورية المعارضة التي تمتد على طول الشريط الحدودي التركي تحت رعاية تركية مباشرة وبالتالي فتح باب التقسيم والاستقلال الإداري عن نظام الأسد مما يعني إغلاق باب الصراع على الأرض السورية وترسيخ مبادئ الحل والعمل السياسي بشكل كامل.
عملية تحرير عفرين أيضاً عززت بوضوح وبلورت الدور الرئيسي الذي تلعبه روسيا بوجه المخططات الأمريكية التي تقلصت بعد العملية بل باتت شبه معدومة في الشمال السوري إلا إذا فتحت التوازنات الدولية باب المكاسب الأمريكية من جديد، فالصناعة الأمريكية للأحزاب الإرهابية الكردية والتسليح الضخم لم يستطع الوقوف في وجه الزحف الذي شنه الجيش الحر بمساندة تركية.
وأخيراً فإن دقة عملية عفرين والتزامها بالقوانين والأعراف الدولية التي تنص عليها الأمم المتحدة أسهمت أيضاً في كف الألسن والقرارات المضادة للعملية فكانت حرباً على الإرهاب فقط بكل مظاهره مع تحييد المدنيين وتأكيد أولوية حمايتهم فلم نشهد مجلس الأمن يعقد جلساته الطارئة لوقف الهجمات التركية على مدنيين ولم تحتج العملية إلى فيتو روسي يؤيدها أو أمريكي يرفضها وبذلك تفوقت الحنكة السياسية التركية على كل القوى المتصارعة في سورية.
فهل ستكون عفرين بوابة لتحرير المناطق التي يسيطر عليها النظام أو أنها بوابة تقسيم للأراضي السورية! وما ثمن السكوت الأمريكي عن دحر طفله المدلل من الشمال السوري؟