غسان الجمعة |
ارتفعت وتيرة القصف الروسي المستمرة منذ شهرين على المناطق المحررة في أرياف حماة وإدلب مع تقدم بخسائر فادحة على بعض القرى بالتزامن مع إعلان الجانبين الأمريكي والتركي عن الوصول لاتفاق يقضي بإقامة مركز عمليات مشترك لتنسيق وإدارة المنطقة الآمنة شرق الفرات، وذلك لممارسة نوع من الضغط على تركيا من روسيا وحلفائها في سورية لاعتبارات سياسية وعسكرية تعارضت مع مصالح الأطراف المذكورة.
ردُّ الفعل الروسي على تركيا جاء بعد خيبة الأمل التي مُنيت بها من خلال تعويلها على صدام أمريكي تركي بسبب شرق الفرات خصوصاً بعد أن تعقدت العلاقة بين الطرفين عقب صفقة إس 400 بل واستطاعت الولايات المتحدة سحب بساط الميليشيات الكردية من تحت الأقدام الروسية باعتبارها ورقة ضغط في مواجهة أنقرة.
أما النظام السوري الذي يُعدُّ أكبر الخاسرين من هذا الاتفاق بعد أن أمَّنت قسد ظهرها وقوي موقفها التفاوضي أمامه، حيث كان يُهددها بالابتلاع التركي أو العودة إلى حظيرته، لم يستطع الأسد سوى التنديد بهذا الاتفاق الذي وصفه (بالانتهاك الصارخ) كما أن أنقرة حصلت على اتفاق جديد نسخ اتفاق أضنة السابق بشروط أفضل حسب مطالبات أنقرة العلنية قبل عقد الاتفاق حيث طالبت بعمق (32كم).
كما أن هذا الاتفاق يقطع آمال الأسد في جعجعته السياسية المتكررة باستعادة كامل التراب السوري على اعتبار أن التصرف الأمريكي له أبعاد إستراتيجية في الأمد البعيد، وأن بقاءه فيها وحماية ميليشيا الوحدات الكردية كاد يفقده أحد حلفاء الناتو في سبيل ذلك، مما يعني أن الولايات المتحدة لا يمكن مستقبلاً أن تقبل فكرة بحث شرق الفرات مع الأسد من باب أولى.
وبالنسبة إلى الجانب الإيراني فهو ليس أحسن حالاً من نظام الأسد على اعتبار أن أي حلحلة في تعقيدات شرق الفرات ستصب بشكل مباشر في صالح القوات الأمريكية وستتفرغ قسد تماماً لدعم خطط واشنطن في مواجهة طهران في معاقلها على الضفة الأخرى من الفرات وتهديد خطها البري الواصل بين العراق وسورية، كما أن التقارب التركي الأمريكي ليس من صالحها في حربها الاقتصادية مع واشنطن في حال ساومت الأخيرة أنقرة على الانخراط أكثر في معاقبة النظام الإيراني اقتصادياً.
أما المعارضة السورية التي ستحقق مكاسب عديدة من الاتفاق كونها حليف تركيا الرئيس على الأرض، فستحظى بمساحة جغرافية جديدة لمناطق سيطرتها بالإضافة إلى موارد بشرية واقتصادية حسب العمق والمناطق التي ستخضع للحماية المشتركة.
في حين تركيا أعادت التوازن في علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وحققت الحزام الأمني بضمانتها وأصبحت أوراقها في الملف السوري أكثر قوة، كما أن الإدارة التركية الحالية ممثلة بحزب العدالة والتنمية ستُحقق بمواكبة تنفيذ الاتفاق ثقة الناخبين الأتراك، وربما تكسب مستقبلاً أصوات حزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية في حال استمرارها بالتعامل بدبلوماسية وبراغماتية في حل المسألة الكردية التي يُعتبر شرق الفرات أحد أبعادها التي تتأثر وتؤثر في المسألة الكردية في الشرق الأوسط عموماً.