علاء العلي |
رحلة كفاح ونضال طويلةٍ مرّ بها الشعب السّوري لنيل حرّيته منذ آذار 2011، والنّهوض بكرامته المسلوبة من مافيا نظام طائفيّ مقيت، تدرجت بين السّلميّة التي لم تفارقها لحظة زخّات الرّصاص لإرهاب الحراك و لَجمِه، لتنتقل بالتّدريج لزجّ الأمن والجيش لاحقاً لوأده و إلحاق أكبر هزيمةٍ نفسيةٍ و ميدانيةٍ، وتقليص حجم مناطق الصّراع و احتوائها تارة بالإغراءات التي استمالت البعض وزادت عزيمة البعض الآخر، وتارةً بالنار وبقبضة وحشية، سوّت مدنًا بالأرض وشرّدت أبناءها وهجّرتهم نحو دول الجوار والعالم، ليبقى جزءٌ مداهنٌ وينزح جزءٌ آخر ضمن البلد ذاته ليقارع هذا المستبدّ من زاوية أخرى.
استطاعت الجهود الشعبية والفصائل المنبثقة عن الثورة أن تلحق هزيمة مدويّة بهذا النظام مع بزوغ تشكيلات سياسيّة خارجيّة كالمجلس الوطني، ليردفه فيما بعد ائتلاف قوى الثورة الذي تشتّت فيما بعد لمنصّات متعددة من عواصم عربيّة ودوليّة مختلفة وهنا بدأت الطامّة! إذ لم يتبع تقدم الثوار ميدانيًا بزخم سياسيّ وطنيّ مخلص ومتفاعل بالقدر نفسه، بل بدأت التداخلات والتّشعّبات الدوليّة تتسلّط على التّشكيلات السّياسيّة، الأمر الذي انعكس على تشكيلاتها العسكرية في بقاع سوريّة الممتدة، والانخراط باللعب السياسي الذي بدأ يتوازى مع بدء تغلغل عسكريّ خارجي من دول طلب نجدتها النظام الحاكم سواء من إيران بميليشياتها الطّائفية اللبنانيّة والعراقيّة وحتى الإيرانية وصولاً إلى استقدام دعم جويّ روسيّ لمواجهة التّصعيد في السَّنةِ الرّابعة، حشد عسكريّ داعم على الأرض ومن الجو ترافق بتخدير سياسي يلعبه صناع القرار.
لا يغيب عن أحد كمية الاستغباء التي كان يعامل بها ممثلو الثورة وحجم الإغراءات الوهمية المطروحة ولعبة السياسة الدّولية، كان يناقضها السلوك الوحشي للنظام وداعميه على الأرض، استغباءٌ رهن الحل للقضية بخطوات سياسيّة زعم أنها قادرة على تحقيق الخلاص للشعب، لكن ذلك لم يحدث إطلاقًا!
الاحتواء السياسيّ والعسكريّ الذي أقر بحدوثه وزير خارجية قطر السابق (حمد بن جاسم) برهن على صحّة توافق الجهود الدولية لعملية الاحتواء القاتلة، احتواء جمّد كل فكر حر، جمّد معه الميدان وأصبح التحرك على الأرض يسمح به من الخارج بعد غياب زمام المبادرة التي كانت سائدةً قُبيل هذا التطوّر السّلبي.
ولا يغيب عنا حجم الاستقطاب الموجود في السّاحة الإقليمية والدّولية بين محاور عربيّة متضادّة وأقطاب دوليّة متنافرة، عملت بمحصلتها على صناعة الوكيل الحصريّ في الدّاخل وتنفيذ سياسة الرّدّ خارج البلد، حتى تقوقعت الفصائل بيد مشغّليها، لترسم أهدافًا غاب عنها إسقاط نظام الأسد التي وُلدت لأجل هذه الغاية وأخذت الشّرعيّة الأخلاقيّة والدّينية فضلاً عن الشعبية العالميّة.
لم تكن معظم التّشكيلات السياسيّة والعسكريّة على قدر المسؤوليّة، بل حادت عنها في عدّة مناسبات، صعّدت الاحتراب الدّاخلي البَينيّ، وبدّدت حلم النّاس التي تنطق باسم معاناتهم، فشلت في بناء أحلاف حقيقيّة لغاية إسقاط النّظام، واضمحلت أهدافها لتقف عند حدود مناطقيّة بسيطة هزيلة لم تعد تقاس بحجم معركة التّحرير، بل وضيّعت منها فرصًا حقيقيّة للّعبِ على المتناقضات الدّولية وسرقة مواقف مؤثّرة وفعالة.
هذا الاحتواء سرّع بشكل كبير تحقيق الانحيازات المتواترة في الميدان، تحت وهم الحلّ السياسي وهو أمر لم يحدث البتّة، لدرجة أن هدنة مؤقتة صارت مطلبًا واستجداء من هذه الأطراف، التي قتلت بموجبها الروح الثورية للشعب الثائر، وضربت أقبح الأمثلة في امتهان السّياسة، لدرجة أنك ترى مصير شعبٍ كامل أصبح بيد مراهقي سياسة بل هواةَ ظهورٍ ليس أكثر.
هذا التّحييدُ المتعمّد لجبهة العمل الثّوري الفعالة والمؤثرة، أفرز إقصاءً متعمدًا لممثلي الحراك الثوري في المحافل والاستحقاقات الدّولية، ينتظر السوريون نتائج التّحولات الدولية كغيرهم، يتلقون النتائج لينفذوها … وإلا!
تفشل دومًا التبعية بتبني حرية الشعوب، ولا مناص من تحرير العقول، وتفكيك هذه التشكيلات، والإمساك بزمام المبادرة من خلال مؤتمر تأسيسيّ شعبي عام، يعيد بوصلة الثوار الأصلاء ويفكك ارتباطاتها بالخارج، ويضخّ روح القرار الوطني الذاتي من جديد، لندخل بالعام العاشر بنظرة جديدة، وعيوننا ترنو نحو حريّة مسلوبة وعدالةٍ وكرامةٍ بشريةٍ كغيرنا.